غفوة تشرين
بلقيس خالد
كانت زيارتي الأولى إلى يوميات منفاه،
السبلت ينشرُ في جو الحجرة نسماتٍ عذبة غمرتني بخدرِ
غفوةٍ..
طويت ُ منفى يانسيس ريتسوس،
تنازلت كفي اليسرى عنه لليمنى،
انسابت اليسرى.. سحبت طرف البطانية وكما الكتاب غلقتني..
انضمت لنا الكف اليمنى تاركة الكتابَ على جانب السرير..
التففت متلذذة بالدفء مثل لئيم يتلذذ بنعمة في حضرة
محروم،
وأنا اراجع في ذاكرتي مشاعر ريتسوس من برد في قصائد
تشرين..
اغمضتُ عينيّ رأيت طريقا ممدودة ً الى مالا نهاية
وعلى حافتيه ورودٌ بدت اكبر من حجمها الطبيعي
وعلى الطريق التقت بي وجوهٌ بدت عيونها واسعة ٌ مقعرة
ٌ وقريبة ٌ جدا من وجهي..
نظرت ُ حواليّ.. كل شيء يكبر حجمه ويدنو..
وكأن بيني وبين العالم عدسة مكبرة،
رفعت نظري الى الشمس ظنا مني انها الأبعد..
رأيتُها تدخل احدى عيني وثمة قبضة قوية لثّمت عينيّ..
ربما كانت تحاول حمايتهما مِن نورٍ يخطف البصر..
حاولتُ الأنفلات من تلك القبضة ..، صرت اسير بعينين
ملثمتين بقبضة ٍ قوية ٍ..
خطوتُ خطواتٍ سمعت صوت .. صوت له رائحة تشرين، صوت
تنبعث منه لسعات فلفل أحمر ..
الصوت ينساب و تنساب رائحة جبال الهمالايا ،رائحة
المطر.. الشلال..صوت راقص في بهاء الطبيعة، صوت انثوي، لا يشبه صوت نساء بلدي،تذكرتُ
حين سمعت للمرة الاولى صوت مغنية عراقية.. ظننتها رجلا ..
الصوت الذي اسمعه الان لم تخن أوتاره رقة الانوثة،
صار لدي رغبة لرؤية الصوت.. جاهدتُ في تحرير عينيّ
من القبضة.. صحتُ متوجعة،
شيئا ما انغرز على جانب أنفي: أدمعت عيني اليسرى
بينما تحررت من القبضة عيني اليمنى وعلى صوت توجعي تحرر نظري
رأيت في يدي نصف نظارة القراءة والنصف الاخر متشبث
بمكانه ما يزال..
لحظات لاستيعاب ماحدث..
لفت انتباهي الصوت الذي مازال ينساب مع نسمات السبلت..ألتفت
ُ.. فضائية بوليود تبث توابل رقصاتها..
نهضتُ، في المرآة.. لم يكن الجرح على جانب أنفي عميقا،لكنه
يبتسم على ماحدثَ في فجر منتصف تشرين