" بقية شمعت قمري "للشاعرة العراقية بلقيس خالد شعلة ابداع في بلد الحضارات
سيلينا يوحنا الشماس
هناك مجاميع شعرية عديدة تظهر وكأنها لم تظهر بيد أنها لم تعد تمثل قيمة ثقافية ولا مرجعية شعرية، أما المجموعة الشعرية ( بقية شمعة قمري) للشاعرة بلقيس خالد فقد جاءت لتعوض قلة الكتابات النسوية وتملئ وبكل جدارة ذلك الفراغ الذي خلفته نازك الملائكة، لم يكن هذا وحسب بل تمكن الشاعرة بلقيس خالد من كتابة الشعر بأسلوب " الهايكومي" وهذا ما عجز عنه الكثير من أقرانها من شعراء البصرة، و أسلوب الهايكومي يقوم على طريق ألفاظ بسيطة بعيدة عن التأنق بوصف الحدث أو المنظر بعفوية ومن دون تدبر أو تفكير وباستخدام مفردات قليلة لتكون القصيدة قليلة المفردات وغفيرة المعنى وذو مغزى هائل :
كلما تمسح النساء
نوافذ
عربات الأثرياء
يتسخ الوطن
تأخذ الشاعر بلقيس خالد الحاذق الأحاسيس، المشاعر والانطباعات المتدفقة وتعرف كيف تصبها في قالب من أثنى عشر لفظا :
ابحث بين
الفيء
عن الشجر
ألان مع الشجر
أي معضلة
تناقشها الريح ...؟
وهنا تنطلق الألفاظ بطريقة عفوية وآنية، تعطي صورة تكون محسوسة، عناصرها مترابطة، فكل منها تقاسم للتو لحظة من حياته مع الآخر:
ثمة فرح
العصافير تبشر ..
الأشجار تتهامس :هل عثرت السماء
على مفاتيح كيلها؟.
وهذا مثال آخر
حين كشر الحصار
عن أنيابه
لذت بحقيبتي
فقهقهت
ماكينة الخياط
في ما مضى نجد ان الشاعرة بلقيس خالد حملت رسالة التغيير على صعيد الشعر فأسلوبها الجديد " الهايكومي " ربما سيكون الأكثر رواجا بين أنواع الشعر بما يتسم بالجمل الشعرية وصياغة المفردات بأسلوب يتقنه الشعراء الحقيقيين حصرا، وهنا نجد أن الشاعرة بلقيس خالد قد جاءت بأسلوب جديد في الشعر في وقت عجز عشرات الشعراء من ذلك .
الشاعرة بلقيس خالد التي تخترق المحظور في كمية التفاعلات الداخلية، تستحضر الرجل أمام عينيها بالروح المتوهجة التي تتغلغل داخل مسام الجماد، وتخبر الحبيب بالاشتعال الذي تعانيه :
انتظرتك عارية الأغصان..
ريح عقيم
جئتني
ترتل الشاعرة بلقيس خالد مقطوعاتها وشدة غرامها وتماهيها في كيان محبوبها على مقام الصدق ووتر الحرف الناصع بشعر عاطفي ذاتي تلقائي رقيق، وأية امرأة في العالم بحاجة الى طريقة تبوح فيها مشاعرها الداخلية الدفينة، وتتخلص من التراكمات التاريخية التي تجثم فوق صدرها :
مثل مغنية قديمة
أحضنك
وتطوحني
أيها العود
لأعزفك
لا بد
من إتقان فن
الأصابع
حقيقة أنت
أدركتها
بلساني .
بلقيس خالد شاعرة كَحَّلَ أحداقها الوجد والسهر، واستطاعت بمضامينها من أفكار وقيم أن ترقى إلى مستوى الشعر النبيل ... فها هي تنشر في الجو من خلال مجموعتها الشعرية " بقية شمعة قمري " أنغاماً مهدهدة كأم صغيرة تغني لطفلها ، فالحب يبقى في صميم ذاتها صرحاً عظيماً ثابت الأركان راسخ البنيان وبلقيس خالد ابنة البصرة تعيدنا إلى الغزل العذري والنظرة الأولى التي تسلب العقول .... امرأة تخز الشعر بإبرة حزنها , تصطاد صور الذاكرة وتلبسها من مخيلتها أثوابها الداكنة والفاتحة الحزينة وسعيدة .
"بقية شمعة قمري" هذه المجموعة الشعرية التي استوقفتني منذ الوهلة الأولى التي شاهدتها، وأدخلتني قصائدها إلى عالم أنثوي مليء بالرقة والإحساس المرهف والمشاعر الحقيقة، أسلوب الأنثى قد كان واضحا جدا في المجموعة الشعرية التي تميزت بلغة العاطفة وتعبيراتها الغرامية وما أدراك عندما تعزف الأنثى على وتر الحب ؟ ! ويبدوا أن الشاعرة بلقيس خالد قد أحكمت سيطرتها على اللغة وأتقنت استخدام المفردات بشكل جعل اغلب قصائدها تمتاز بقلة الكلمات وبغزارة المعنى وهذا ما جعل المجموعة الشعري الثانية للشاعرة بلقيس خالد تختلف عن كل المجاميع الشعرية لأقرانها من الشعراء وعلى الرغم من اختلاف القصائد في أساليبها وتقنياتها الفنية فقد توحدت في جمالها الإبداعي ورمزيتها العالية وتغلغلها في النفس الإنسانية وشعورها الباطني وأحاسيسها المرهفة.