حسين عبد اللطيف.. في مراياهم / حاورتهم : بلقيس خالد
وجليسي
أمير من أور على الطرقات أرقب ُ المارة.. أوقد نار القطرب لأتيقن
بعدها:
لم يعد يجدي النظر، إذ بين آونة ٍ وأخرى..
يلقي علينا البرق..
بلقالق
ميتة، هكذا وسَقَ الشاعرُ الكبير حسين عبداللطيف الساحة الشعرية
العراقية بخيمة زاهية الألوان ذات سعة شعرية يتدفق
منها الفعل الشعري
الرصين العميق.. من إنطباعي في قراءتي لأعمال
الشاعر تنطلق أسئلتي
إلى مَن هم أقرب وجوه البصرة الثقافية إلى
الشاعر حسين عبد اللطيف.
- ماذا قرأت للشاعر حسين عبد اللطيف ؟
القاص محمد خضير يجيب:
قرأت اكثر قصائده منذ صدور ديوانه
الأول "على الطرقات أرقب المارة".
الشاعر طالب عبد العزيز يقول: ربما، أكون قرأت معظم شعر حسين عبد
اللطيف، كنت ابتدأت معه
منتصف السبعينات من خلال ديوانه الاول( على
الطرقات أرقب المارة) وأتذكره شاعراً بالغ الاثر في شعرنا العراقي،
فهو
رائد في التوجه نحو عوالم
القصيدة الحديثة، ذات الانتماء الخاص، خارج
الاجيال، وخارج لعبة
السياسة والانتماءات، لأنه لم يخضع لاي أيديولوجيا،
كان شاعراً يهتدي بنور
مشروعه في الشعر لا غير. وكان ديوانه الثاني (نار
القطرب) العلامة الأكثر
وضوحاً في مشروعه الشعري. يمكننا أن نقول بان
حسين عبد اللطيف شاعر
قصيدة، أكثر مما هو شاعر ديوان. قصائده تتشابه
في أبنيتها، لكنها تفترق
في مضامينها وعوالمها، عوالم حسين غير متوقعة،
تبدأ من اليومي والقريب
والفلكلوري وتنتهي بالحلمي والبعيد.
الاديب محمد صالح عبد الرضا: قرأت قصائده كلها لأننا متقاربان من
بعضنا منذ قصائده الاولى
عام 1964 الى رحيله طيب الله ثراه.
الشاعر كاظم اللايذ يجيب: قرأت ُ دواوينه كلها..
بينما يحدثنا المترجم عباس
المحسن: قراءتي للشاعر الراحل اقترنت
بمعرفتي اياه لما بعد 2003 في مكتبة الشاعر احمد العاشور ....لان
الراحل
كان كثير التردد عليها وبحكم عملي مع العاشور تعرفت والتقيت بكل
الأسماء
التي كنت اقرأ لها في يوم
من الايام ...قرأت للشاعر حسين عبد اللطيف كل
مجاميعه الشعرية والكثير
من الاعمال الادبية التي كان يرسلها للصحف
والمجلات لما بعد 2006 وذلك لطباعتي هذه القصائد في كثير من
الاحيان
وصولا الى المجاميع
الشعرية ...وقد شاركني في الطباعة الصديق الشاعر
علي السعيدي وهذه
كانت فرصة جميلة للتعرف عن قرب على نصوصه
الشعرية ..
*أي ديوان من دواوينه، استوقفك أكثر؟
القاص محمد خضير يقول: استوقفني ديوان "نار القطرب".
يضيف الشاعر كاظم اللايذ: ديوانه (بين آنة ٍ وأخرى.. يلقي علينا البرق..
بلقالق ميتة) في الهايكو
الذي كتبه في أيامه الأخيرة هو خلاصة لتجربته
الشعرية.
بينما استوقف الاديب محمد صالح عبد الرضا، مجموعته الشعرية ( نار
القطرب) قائلا: لأنها تحمل
توقه الى التجاوز والتغير ولا تساوم على
المستوى الفني وصولا الى
صوته الخاص.
يختلف الشاعر طالب عبد
العزيز قائلا: لا يمكن معاينة
منجز حسين عبد
اللطيف من خلال كتاب معين في تجربته، حتى أن دار الجمل، التي أصدرت
مختارات من شعره لم تتطرق
إلا الى كتابين (على الطرقات أرقب المارة
ونار القطرب) لكن، القصائد التي أختيرت كانت دالة على تجربة خاصة
جداً
.
يضيف المترجم عباس
المحسن: لربما ابخس حق الشعر الذي يكتبه
...فشعره كله جميل ...ولكن
ربما قصائد الهايكو التي اصدرها في كتاب
منفرد كانت تجربة جميلة
جداً ...لا اعرف ربما لأني ترجمت الهايكو
ومقالات عنه هي التي لفتت
انتباهي لأختزالها المعنى في أسطر معدودة
...ربما !!
* النقاد العراقيون هل
أنصفوه شاعرا؟
يجيبنا القاص محمد
خضير: نعم. اعتقد ذلك.
يضيف الشاعر كاظم
اللايذ: كُتِب عن حسين عبد اللطيف الكثير،
كما أن
تسمية مربد هذا العام باسمه كان حافزا لكتابات ٍ جديدة . الكتابة
عن الشعراء
المهّين لا تتوقف مهما توالت الأزمان.
يردف المترجم عباس
المحسن: اما عن النقاد ..فهم اصحاب وجهات
نظر
ومفسرين لنصوص هم لها من
القارئين ولكن من خلال متابعتي له ولما
يصدر عنه سواء كان في حياته او حتى من بعد رحيله لم اجد من انتقده
او
انتقد شعره .....بل على
العكس كتبت عنه مقالات جيدة وأسماء الكتاب من
الاسماء التي لها ثقلها في
الوسط الادبي ...سواء كانت من الصعيد العربي او
العراقي !!!
نافيا يجيبا الاديب والإعلامي
محمد صالح عبد الرضا: لا اعتقد ..
لا..،
النقد العراقي ظل طويلا يعاني من الميل الى الصداقات والعاطفة وقد
اضطربت موازينه فلم يفتح
قلبه جيدا الى عوالم تقطر شعرا وفرادة
والقدرات المدهشة في الادب.
يضيف الشاعر طالب عبد
العزيز: لا يمكننا الحديث عن تناول النقد
لشعر
حسين عبد اللطيف، ذلك، لأن
معظم التجارب الشعرية العراقية ظلت خارج
النقد، اللهم إلا هنا وهناك، في شذرات لا تحسب درساً نقدياً. وإذا
تحدثنا عن
قصائد له فنقول بأن ما
أختاره وصممه وأشرف على نشره الفنان صدام
الجميلي في الكتيب الصغير(الريح لا تعرف القراءة) يكاد يكون
توضيحاً
لتجربته.
*هناك من يتذكر
شاعرا، من خلال قصيدة معينة، أو لقاء معين،
هل حصل لديك مثل هذا الأمر مع الشاعر حسين عبد اللطيف؟
يقول الشاعر طالب عبد العزيز: نعم، يمكننا تذكر أو استعادة تجربة
الشاعر
حسين عبد اللطيف من خلال أكثر من قصيدة، فقصائد مثل ادراج الرياح
او
لا حنطة في يدي (عندليب
الاسى) او احوال او نار خضراء او قلبي من
ذهب ابريز او في عداد الذكرى او ودائع او فالس آخر السهرة أو اغنية
قطار
الحمولة وغيرها الكثير ..
كل قصيدة له مناسبة حقيقية للحديث عن التجربة
الاستثنائية عنده، لكنني،
أتذكر قصيدته الجميلة( ازهرار) منشورة في جريدة
القادسية، أيام كنتُ جنديا
في الحرب، فقد حللت ضيفاً على أصدقاء في
خندق، تحت الارض، في احدى
جبهات الحرب، ولما جيئ بالطعام فرش
الاصدقاء الصحيفة، فوقعت
عيني على صفحتها الثقافية، وقد نشرت
القصيدة، فطلبت منهم
اخذها، وفيما هم يعدون المائدة وجدتني منشغلا
بقراءتها، ثم أنني قصصتها
واحتفظت بها في جيبي. وفي الاجازة الدورية،
يوم عدت الى البيت، كنت
حتى التاريخ ذاك لم التقه، اعرفه عن بعد، نعم
لكن لم يجمعني وأياه مجلس ما. في سوق الجمعة وبين زحمة
الباعة
والمتبضعين التقيته، كان
معه ابنه المرحوم حازم، باغته بالسلام وقصصت
عليه أمر القصيدة، كانت
الارض مبتلة بمطر والسوق رطب بطين وماء،
هناك وقفت أقرأ عليه
القصيدة التي أحببتها.
يضيف القاص محمد خصير: اغلب قصائده مثيرة للاهتمام. واتذكر منها
تجاربه الأخيرة في كتابة
القصيدة القصيرة _ الهايكو. وكذلك قصائده التي
اجاب فيها على
"تساؤلات" نيرودا.
بينما قال المترجم عباس المحسن: الاثر الذي يتركه الراحل هو ذكرى بحد
ذاته ..ولربما انتابني هذا
الشعور :حالما اقرأ له اجده امامي بشخصه
!!......واحمل في ذاكرتي
الكثير من الذكريات والنكات التي كان يطلقها
بارتجال وصدى ضحكته لا
زالت في بالي .. لا يسعها المجال في هذا اللقاء
السريع ..اضحك وبعدها ابكي على فقده ...
يضيف الشاعر كاظم
اللايذ: حينما أكون في المكتب لوحدي، انظر
إلى
الكرسي الفارغ المخصص
للضيوف... طالما كان حسين عبد اللطيف هنا
بتقاطيعه الحزينة ولوعته وبرمه وشكواه.. الكرسي الفارغ يذكرني
دائما
بالراحلين من أصدقائي :
محمود عبد الوهاب ومجيد الموسوي ومجيد
الأسدي وحسين عبد اللطيف
وصلاح شلوان .
يحدثنا الاديب محمد صالح عبد الرضا قائلا: حصل هذا عام 1967 حين
أثار اعجابي بقصيدة الموشح
الاندلسي فكتبنا معا قصيدة مشتركة بنظام
الموشح، بيت له وبيت لي وقد قال في مطلعها
ما لنا يا قلب منهم خلنا...... ودع القلب لنار الزمن
ثم قلت:
واشرب الكأس على ورد الهنا..... فلكم قاسيت مرّ الشجن.
*الان وشاعرنا حسين
عبد اللطيف في الضفة الثانية ماذا تقول له؟
يقول القاص محمد خضير:
كان الشاعر حسين عبداللطيف من الأصدقاء الذين لا يمكن نسيانهم. اما
شعره
فقد كان علامة فارقة في
جبين الشعر العراقي بميزاته الأسلوبية وثرائه
الموضوعاتي. فقد جمع بين
الحس الجمالي الرفيع والحس الشعبي اليومي.
وكانت شخصية الشاعر
الحيوية ماثلة في اكثر القصائد التي كتبها. كما كان
متجاوزا لنفسه ومشتبكا مع
اكثر التجارب الشعرية العالمية. مثال ذلك
اشتباكه مع لوركا ونيرودا
وريتسوس وسواهم. كما لا ننسى اقترابه من عالم
البريكان والتلاحم مع
تأملاته الفلسفية.
الشاعر طالب عبد العزيز يقول:
ما كتبته على صفحتي قبل عامين: ( من لي، في اللحظة هذه بحسين عبد
اللطيف، الشاعر العظيم، أريده ان يشتمني على الملأ، يسمعني من
شتائمه ما
يحلو له ويليق بي، هي حاجة
لا يعرف معناها إلا من عاش معه وتتلمذ على
روحه وقلمه وكتبه، ما
أحوجنا الى شاعر مثله، لم ينازع الغل قلبه ولا
وجدت الكراهية طريقا لروحه، ولا تنازل لوغد يوما، ولم يعرف من
الدنيا إلا
صناعة الجمال. إذا كان
الموت فعلاً من نذالة السماء فقد كان موت حسين
عبد اللطيف تعبيراً عن نذالة الكون كله.
المترجم عباس المحسن قال ناعيا: (....انه جويعده وحرك ضعنهم)
ولن تعود قافلتك
مرة اخرى محملة الهدايا
وغابت عبر قرص الشمس
ارجل المشيعين
وبقيت معك اشم رائحة ترابك
المبللة من ماء الدموع
ولا سبيل لي
ولا زلت...( جويعده........)
وانا...
(على الطرقات
ارقب المارة)
كن بخير وانت تبحر بقاربك نحو الضفة الاخرى ...تحمل في طياتك قصائد
لم تكتب بعد !!! كن بخير
أيها الأستاذ والأب ....وحقاً ما عدت اطيق الشعر
دونك!!
الشاعر كاظم اللايذ يضيف: أقول له : لقد كنا أوفياء معك بعض الشيء
وقدمنا لك بعض ما تستحق
حينما جعلنا مربد هذا العام (المربد33) يحمل
اسمك وهو استحقاق يليق بمن
نذر َ حياته من أجل الأدب والثقافة.
يختم الاديب والإعلامي محمد صالح عبد الرضا قائلا: نم قرير العين، فكل
اصدقائك ومحبيك يهدونك
سلاما وأسى.