الشاعر عبد الرزاق حسين : الملحُ
يجرحُ راحتيه
بلقيس خالد
كم
تمنيتُ رؤيتهُ، لأُصغي لشعره بصوته، حين أقمنا له جلسة في اتحاد أدباء البصرة، لكن
لأسباب صحية ألمت بشاعرنا، ناب عنه حفيده، وقدم الجلسة مشكورا الأستاذ الشاعر
والإعلامي محمد صالح عبد الرضا..وقد بدأت الجلسة بمفتاح كتبته تحت عنوان: مروض
القصائد:الشاعر عبد الرزاق حسين.
(الشاعرُ..
لا.. لا يمكن ُ الاستغناءُ عنه ُ
رغم َ وحشيته ِ
لا يمكن ترويضه ُ
كالنَمِر.. مثلاً
لأن الذي يُروّض ُ
لا يمكن أن
يكون َ
إلا نَمِرا.. حقيقياً)
باسمكم جميعا أرحب ُ بالشاعر الكبير عبد
الرزاق حسين..
نفتخر
بمسيرته الشعرية الغزيرة، ومن حق مدينتا البصرة أن تباهل بأبنها البار
الشاعر عبد الرزاق حسين...
......................
قبل حصولي على نسخة ٍ من الأعمال الشعرية
الكاملة للشاعر الكبير عبد الرزاق حسين، كنت قد أطلعت ُ على كتابه المطبوع ضمن
أصدارات اتحاد الأدباء...
الكتاب الشعري عنوانه (مختارات قصائد) وهذه
المختارات بين قوسيّ تاريخين(2003- 2010) والمختارات من مجموعاته الشعرية التالية:
أغاني مواسم الجفاف
جنة حلم
لزوم
ما يلزم
المخطوطة
خارج
حدود الصمت
زغب الطيور الهاربة
قمر
البصرة
مملكتي.
في هذه المجموعات مسيرة شعرية حافلة بحيوية
لا تتوقف عن السلسبيل.
في قصيدة (لمحة) يتساءل الشاعر
هل تصيرُ القصيدة ُ
رمادا ً إذا اشتعلت
ونصير
لمحة ً
مِن زمن ٍ مرَّ في مدن ٍ غابرة
لمحة ً.. عابرة ؟.
يتساءل الشاعر.. بينما قصيدته تستفز طمأنينة
الذاكرة.
في هذه الفترة القصيرة تصفحتُ المجموعة
الشعرية الكاملة، فشعرتْ قراءتي بمسرتِها، وأدركتْ أن نزهة واحدة في هذا البستان
الشعري لا تكفي..).
في مجموعته الشعرية الصادرة ( مختارات قصائد)
عن اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة:
(1)
(تبقى
الورقة البيضاء
هي..
مساحة حريتي
الحقيقية )
بهذه القصيدة القصيرة جدا الهامسة بنبرة ٍ
خافتةٍ، اقترنت الحرية ُ بالبياض الصريح، هذا الحيز الورقي فيه كل سعة الحرية
بالنسبة لشاعرنا عبد الرزاق حسين . وهي حرية الزاهد العارف.. الحرية الصعبة، وهي حرية العزلة الاختيارية . وهنا تتكشف لنا
القوى الشعرية لدى الشاعر مثل بياض الورقة..
والسؤال هنا هل سيحصل الشاعر دائما على هذه
الأوراق البيض؟ والحصول هنا يخترق الميداني وصولا إلى المجاز . والسؤال الآخر مَن
المتسبب في تحويل حرية شاعر مرهف مثل
شاعرنا البصري إلى هذا الحيز الورقي ؟
وهل بياض الورقة بمقدوره التصدي إلى اللونين
التاليين :
(من زرقة الحديد
قتامة
من سواد الحلم
مثابات اليائسين ) ص229
وكما
جلجامش مبتلى الشاعر يبحث عن مفتقدٍ تليق
بخطواته
(ليس في الظلمة معناه ولا في لمعة البرق
مداه) 312
الورقة البيضاء حرية الشاعر، تتداعى بين
أثنين
(صورة القمر المستدير
ذكرتني
بالرغيف الذي كان في يدي
أبيض محمراً
وحاراً) 313
وتلاحقه هذه الأثنية مثلما يلاحقها
(أني مجبول من سورة غضبي
جسدي من طيني
وناري من حطبي ) / 398
يواصل الشاعر البصري العراقي العريق الأستاذ
عبد الرزاق حسين، شاعرية الحضور وشعرية ً بين الحقيقي والحقيقة، فإذا كانت الورقة
مساحة حريته الحقيقية، فأن الحقيقة أجراس الرؤيا لديه كما صوت قصيدته:
(وتوقظك الحقيقة حين تلتمس الجدار
الملح يجرح راحتيك
والبرد
إن الدفء في الغرف المضاءة
لا في الأزقة ) /
ص182
*عبد الرزاق حسين / الأعمال الشعرية الكاملة/ دار أمل الجديدة / ط1/ دمشق/
2019