بلقيس خالد

الموقع الرسمي للشاعرة والروائية بلقيس خالد

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مجانسة سردية وشعرية.. المعاناة والخسارات والعواطف الزائفة في كتابات الروائية والشاعرة البصرية بلقيس خالد الناقد أحمد فاضل


مجانسة سردية وشعرية.. المعاناة والخسارات والعواطف الزائفة في كتابات 

الروائية والشاعرة البصرية بلقيس خالد


الناقد أحمد فاضل



كتابان أهدتهما لي الشاعرة والروائية بلقيس خالد ونحن نعيش فعاليات مربد الشعر في البصرة الفيحاء ، وجدت أحدهما رواية قصيرة والآخر شعر هايكوي ، وحين هممت بالكتابة عن أحدهما فوجئت أنهما متجانسان سرداً وشعراً ، لأن الذي يجمعهما هي تلك اللغة المنسابة في تحديها كموج شط العرب الذي تربت بالقرب منه ، في موائمة بدت لي وأنا أقرأ كلمات الروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل وهو يكتب عن “كائنات البُن” الرواية قائلا:
“ هناك حكايا عديدة ساحرة تبقى متوارية في ثنايا نص (كائنات البُن) جراء طغيان ما هو شعري على ما هو سردي ، رغم انحيازي للسرد إلا إني تفاعلت مع النص وشاركت نسوته معاناتهن وخساراتهن .
هناك شفافية رائقة تأخذ بخناق الواحد وهو يتابع قراءة النص”.
هذه الشفافية التي قصدها راحلنا الكبير هي نفسها التي سحبتني بقوة إلى أن أمازج بين كتابيها ، ففي “كائنات البُن” الرواية الصادرة عن دار المكتبة الأهلية في البصرة 2017 تأخذنا بلقيس خالد إلى عوالم نسائية تعيش قهر الأيام التي باعدت بينهن وبين من أحببن ، كانت لفناجين القهوة عزائهن في قراءة طالع من غاب عنهن أو معرفة مصيرهم ، هذا الطالع سنطالعه في تخييل سردي مشوق توزع في سلسلة لا تنقطع حملت عناوين عديدة ابتداء: “لا تستطيع الانضمام إلى الصمت: شمس النهار” وانتهاء: “ما بعد السرد .. ما قبل البُن”، هذه التقنية الوصفية عَرضتْ سمة الشخصيات التي تناولتها بدلاً من إطلاق اسمائها، سنكتشف ميزاتها من خلال عملها ، كلامها ، مظهرها وبيئتها ، لكن أهم ما حوته هذه التقنية هو التركيز الذي قد يكون هو الأسلوب الأكثر أهمية والأكثر تميزاً والأكثر تعقيداً في السرد ، حيث يتم تقديمه في النص من خلال وساطة المنظور ، زاوية الرؤية وبالتالي فإن التركيز هو نظام تعددي لوجهات النظر في الرواية الخيالية ، وبقدر ما يتعلق الأمر بموقف المنظور بأحداث الرواية ، فإننا لن نتوقف عند عنوان محدد لها حتى آخر العناوين ، لأننا سنجد كثافة في قراءة فناجين النساء ، ففي “لا تستطيع الانضمام إلى الصمت : شمس النهار” تتساءل :
“من ..؟ تساءلت المرأة المنتظرة قراءة الفنجان ، هل ولدي معهم ؟ قلبت قارئة الفنجان فنجانها .. ونظرتها بصمت”، أما في عنوان الرواية الثاني “صببتُ قهوة في الفنجان: أشرقت الأشرعة”، المرأة التي تنتظر عودة الأبناء وضعت فنجان القهوة جانباً:
“قالت: قلبها في مكان وما تخافه في مكان آخر” ، أما في “على خطوط البن، امرأة تتعلم ثانية” فهناك قراءات أخرى لفنجان امرأة حائرة :
“من خلال خطوط الفنجان امرأة .. تنظر إلي .. اقتطفت لمحة باختلاف زوايا المنظور … همس .. جر حبل نظراتها..: كل شيء بخير .. تنهدت متسائلة المرأة التي :
– إذا كان كذلك فما بال قلبي يقلقني..؟
ثم …….. هبيني رشفة من فنجان آخر
وامنحيني وقتاً .. ربما أتعلم أبجدية البن”.
هذه “المتوالية القصصية” التي يقول عنها د . ثائر العذاري الأستاذ المساعد في الأدب العربي الحديث في جامعة واسط في أحدث مقالاته : “لماذا ينبغي أن نعد المتوالية القصصية جنساً أدبياً ، يضع شكاوفسكي فرضية مبهرة مفادها أن التوالي القصصي هو أصل الرواية” ، من هنا نستطيع القول إن رواية الكاتبة بلقيس خالد هي متوالية قصصية أفضت في نهاية عناوينها البالغة 24 عنوانا إلى أن تكون رواية قصيرة كان لفنجان القهوة الفضل في حبكتها وتنوع أحداثها ، والأحاسيس والعواطف التي حملتها رواية “كائنات البُن” لخصها ديوانها “دقيقتان … ودقيقة واحدة : هايكو عراقي” الصادر أيضاً عن دار نشر المكتبة الأهلية في البصرة 2019 ، أرادته بلقيس أن يكون هايكو عراقي بامتياز، حمل عناوين متفرقة كالتي حملته روايتها وكأنها تريد أن تقول ما جاش في صدرها من أحاسيس عميقة نثراً هايكوياً هذه المرة وبطريقة قد تختلف عن الألفاظ البسيطة البعيدة عن التأنق بوصف الحدث كما عُرف عن الهايكو الياباني أو العالمي . “حكايات” كانت الصفحات الأولى لديوانها والتي احتلت 14 حكاية هايكوية نقرأ منها :
1
أتأملنا في حكاياتهم .
2
البساتين : حكاياته ،
ذلك جائز .. لكن
كيف لنهرٍ صغير ٍ أن يروي بحراً ؟
3
الصحراء حكاياتها : الواحات ..
ومن رواياتها الشفيفة : السراب .
وهكذا تمضي بقية القصائد كتعبير للنظر إلى العالم المادي الذي تعيشه الشاعرة ورؤيتها العميقة للأشياء المحيطة بها وبنا ، ومع كل هذا الاشتغال تلمست أن هناك العديد من المبادئ الأساسية التي تؤكد حداثوية نصها الهايكوي الذي لا يزال يركز على لحظة واحدة قصيرة من الزمن ، ويستخدم الصور الاستفزازية الملونة، ويوفر لحظة إضاءة مفاجئة ، أليس من الرائع أن نعرف أن مثل هذا التقليد قد استمر مع بقية العناوين: “منحدرات متصدعة” ، “مليئة بالنشيج ترتفع أسئلتي” ، “وحده .. الذي هجرته الأسئلة ينتظر مفتاحاً” ، “ضيقٌ جلد أيامنا” التي نقرأ منها :
1
لقمة لذيذة ..
يلتهمني
ثوبي
2
حين تدس في الثياب الأنيقة جسدك
يتوهمونك مبتهجا
3
لست وحدي .. وقت الغداء
أعلق في المطبخ
ثوب أمي فيستعيد البيت : عصافير العائلة .
وجدت في هذه العناوين والأبيات الملحقة بها والتي تليها مساحة واسعة للشاعرة للتحرك بحرية أكبر في نسج أكثر من قطعة هايكوية عراقية وفي الوقت نفسه يتم التقاط اللحظات الصغيرة بطريقة ملونة، حيث تبقى أبياتها كدليل على تلك اللحظات الخاصة في الحياة عندما نرغب في دراسة طبيعة ما نثرته الشاعرة بلقيس خالد .

عن الكاتب

.

اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بلقيس خالد

2025

google-site-verification: googlee09bc7865ace1b6b.html