مثلث - العنونة – المدخل – المتن
التوظيف السيمولوجي للغة كائنات البن لبلقيس
خالد
الناقد محمد يونس
سيمولوجيا العنونة ادبيا – شكلت عنونة بلقيس خالد
– كائنات البن – تطورا شاقوليا مناصيا، ويبدا التطور الشاقولي من العنونة بوصفها نصا
موازيا للمتن النصي بنسب من التعالق، والذي هو ليس بسياقه العام في التفاعل التعالقي،
وبهذا الأفق تكون العنونة قد تجاوزت التمثيل الارسطي للمتن النصي حتى، وكانت اولا هي
نص قائم بذاته،
ويدور معناه في حدود مداره، وذلك بعده الاولي الذي
يوقفنا هو امامه بوصفه نصا محلقا في معناه المبتعد عن الافق الانثربولوجي، وثانيا صفته
الاشهارية العامة والتي هي تؤكد لنا تماما اننا امام مادة ادبية بين دفتي كتاب، والعنونة
اشهاريا ايضا تشير الى تعبيرها الكتابي اكثر مما هي تشير الى متن نصي ومضمونه، والبعد
الثالث هو بعد اللغة بصفتها الاحالية، فالعنونة هنا تشير لغة الى ما افترضته لنا ادبيا
بتعبيرها،
والذي في حدوده ممكن أن يجنس حسب توصيفاته الادبية
ومدياته الرمزية، وعنونة – كائنات البن –
تقف بين ما هو شعري وما هو سردي، وتلك البينية تجعلها
تحلق شاقوليا اكثر، وفي اعتبار اجناسي يراه المتلقي العضوي هي تنجذب له .
لقد اكدت بلقيس خالد بعنونتها نمطا من الوعي، وهذا
النمط من الوعي يفسر حسيا على انه شعري الصفة، وهو اصح أن نطلق عليه شاعر الصفة، اي
أن هناك احساس شعري للمؤلفة تدخل في صياغة عنونتها، وقد شارك ذلك الاحساس الشاعري وعي
المؤلفة في صياغة التعبير الادبي للعنونة، وقد نجحت المؤلفة في ترسيم عنونة هي نتاج
مشتركات وعي وحس ادبي، وذلك طبعا ما يجعل العنونة اكثر تألقا ادبيا في صياغتها .
أن تفسير المضمون الرمزي للعنونة يحيل الى مناطق
غير مكشوفة،
فمفردة -كائنات – مبنية للمجهول وهذا ما يفتح افقها
اكثر من المعتاد، ويفتح باب التصورات ابعد من معهوده،
لكن المفردة الثانية – البن- هي تضيق تلك الافاق
التي توسعت الى مساحات اكبر، حيث هي تلغي نسبيا تلك التصورات التي قد تخرج التوصيف
العام الى توصيف مختلف نسبيا، وحددت لنا المفردة الثانية بنسبة كبيرة ما الذي تعنيه
– كائنات –
حتى وإن كانت مبنية للمجهول، فتعرفنا على أنها كائنات
بشرية، وبذلك توسع بعد علاقة العنونة بالمتن النصي، وصار هناك فسحة للتفسير ابعد مما
كانت هناك فسحة للتأويل، وذلك طبعا بمجمله يحسب لوعي المؤلفة من جهة في صياغة عنونتها
الروائية بهذا المستوى المتفوق ادبيا، ومن جهة اخرى بما هدفت بلقيس خالد من أن تقدم
حسا ادبيا جمالي الصفة، تأطرت عنونة روايتها – كائنات البن - بقيمته الجمالية .
فضاء المدخل الشاعري - قدمت رواية بلقيس خالد – كائنات
البن – تنوعات ايقاعية عدة بوحدات زمنية متعددة، فبعد عنونة متفوقة ادبيا واجهنا مدخل
محلق الى حد ما في فضاء رمزي، وهذا المدخل الحساس ايقاعا وزمنا، هو يمثل خطاب نسبي
يرتبط بوعي المؤلفة، ويمثل وجهة نظر ادبية لمعنى اجتماعي وانساني, لكن قد رمز له دلاليا,
ولم يكشف عنه علاماتيا او اشاريا, وليس من السهل فصل هذا المدخل عن رمزيته, والتي كانت
شاوقليا تزاد عمقا بتطور وحدتها الزمنية من صيغة غير حيوية الحركة عمقا, الى وحدة اكثر
نشاطا, وهنا ستكون امانا وحدة فضاء ذلك المدخل بطاقة دلالية عالية النشاط, وسيتعدد
المعنى ايضا ولا يجد مسار واحدا الى المتن النصي, الذي مثله باختصار رمزي حيوي .
إن شاعرية ذلك الفضاء التي تقابل طاقة الشاعرية الموظفة
في العنونة من جهة, ومن اخرى تقابل تلك الشاعرية ما في المتن السردي والوصفي من ميزة
ملموسة لها, وذلك التقابل الذي شكل مثلث وظائف, ولذلك المثلث طاقات متعددة حسب الصياغات
الوظيفية في العنونة – المدخل – المتن, والتي كان لكل وحدة منها خصوصية زمنية, وقد
لمس هناك وجود ترادف زمني في المتن في اكثر من موضع, وذلك الترادف كان استجابة لما
سبق المتن من عمق زمني في المدخل, ومن قبله كانت العنونة ايضا قد اسهمت بشكل كبير في
ذلك الترادف الزمني .
يلاحظ أن المدخل المحلق لم يكن قد ارتبط مباشرة بالمتن
النصي, فكانت قبل ذلك الارتباط قد لمسنا بشكل مادي وجود صيغة اهداء تلي ذلك المدخل,
لكنها لم تكن بذات الحدة الرمزية , وهناك بعد علاماتي فيها يفسر لنا وجود علاقة بين
احساس المؤلفة البشري ونوعها البشري, وهنا يمكن تسمية نشاطها خارج التوصيفات الايدلوجية
في ما هدف اليه ذلك الاهداء, ومن رسم علاقة المؤلفة بنوعها البشري, ذلك الحس البشري
طبيعي جدا ما دام وفق بعده الانساني .
لغة الرواية المتعددة التوصيف – لعب عنصر اللغة في
رواية بلقيس خالد – كائنات البن – دورا مهما في عدة مفاصل ومستويات, واول المستويات
والمفاصل هو المرتبط بمنظومة السرد الروائي, حيث هناك وظيفة موكلة بها اللغة, وهي حتما
لابد أن تكمل تلك الوظيفة على اكمل وجه, وقد بان توجه اللغة الفاعل في الوحدات الروائية
الوظيفية, فكانت الثيمة الروائية هي اولى تلك الوحدات, والتي قد بدت بصورة مستحدثة,
فهي كانت بمشتركات واقعية وحسية, وقد حافظت على الثيمة على توازنها, بالرغم من وجود
تفاصيل وحوارات صيغت بشكل رمزي علاماتي, حيث هناك خطوط في مواضع عدة من بنية الرواية,
وتلك الخطوط هي توصيف مفترض بديل لسرد او وصف او حوار, وهذا ما جعل الرواية تحتمل تعدد
لغوي ثالث اضافة الى لغة السرد والوصف, وتلك الخطوط هي وحدات رمزية, تؤهل نفسها بين
المؤشرات الواقعية التي يتميز بها السرد, وكذلك الوصف بنسب مختلفة وتعدد مضاميني, وممكن
أن تلك الخطوط التي تنيب عن معنى معين قد ضمرته المؤلفة, ممكن أن تشكل وحدات خطابية,
وهي في الكشف عن مضمونها نجدها تحيل الى ذات الفكرة المتأصلة في الكيان الواعي، وندرك
أن تلك الخطوط هي تشكل معادلا موضوعيا لما سرد او وصف .
أن اللغة الروائية كانت حيوية بشكل مختلف فيما تحتمله
من سمات كتابة، منها ما يدرج في اصل عنصر اللغة، ومنها ما يكون يشكل بعدا مستحدثا لها،
وبتنويعات زمنية كانت اللغة متعددة، فالوحدة الزمنية للمفردة الروائية، والتي كانت
كتعبير لغوي دال، وهذا في المجال العام للغة المكتوبة، لكن في التفسير المعرفي للغة
الروائية ثمة معنى مختلف نقف عنده، وقد اكدته سياقات الكتابة في اختلافاتها بين بعدها
العام والمضمن، وما استحدث من بعد لغوي جديد قد غير معنى اللغة، واكسبها معنى اوسع،
والذي نسميه باللغة الايقونية، وصراحة أن الرواية تدخل بلغتها وليس بثميتها في باب
ادب ما بعد الحداثة، وكما ان اللغة هنا قد تجاوزت البعد الاشاري الذي عهدناه، الى مستوى
لغوي حساس يؤكد الصفة الايقونية، حيث تكون اللغة علاماتية سيمولوجية الهدف التعبيري،
والذي به تزداد بنية الرواية في موضوعتها النوعية عمقا وقيمة، وكما ان موضوعته الرواية
الانسانية والقهرية والنفسية ستتوسع ابعاد قضيتها عبر تلك السمة السيمولوجية للغة
.
.......................................................
جريدة الزوراء العدد :6998 |
الاثنين 29 أبريل,2019