الهايكو العراقي
ديوان "دقيقتان .. ودقيقة واحدة" لبلقيس خالد نموذجاً
الناقد رياض العلي
الهايكو نوع من الشعر الياباني، يحاول الشاعر من خلال ألفاظ بسيطة التعبير
عن
مشاعر جياشة أوأحاسيس عميقة. تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، مكون من
سبعة
عشر مقطعا صوتيا (باليابانية)، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر (خمسة، سبعة ثم
خمسة) ،هذا
النوع الشعري اوجده الشاعر الياباني "ماتسوو باشو" (1644-1694)
وقصائده كما
يقول هاشم شفيق هي إصغاء الى الطبيعة والكائنات، إصغاء الى لغة
الأشياء وما تقوله الحياة
من كلمات على لسان الريح والمطر، وعلى لسان البرق
والثلوج،إنها لغة العناصر والموجودات
الساكنة والمتحركة، لغة الوردة وهي تسرق
عطرها للهواء، لغة النيع الذي يثرثر بحكاياته
للصخور، لغة الطير الذي يرصع السماء
بغنائه ورحيله المستمر نحو الأعالي.
تقول "هيلاري ديفينبورت" في مقال ترجمه "هاشم كاطع لازم":
نشأت هذه القصيدة منذ
قرون عديدة حيث أنبثقت من منافسة لغوية يابانية أسمها (هايكاي
نو رينكا) haikai no
reng
حيث يتبارى مجموعة من الشعراء المحترفين بنظم قصيدة
جماعية. في هذه المباراة
يقوم أحد الشعراء بنظم البيت الشعري الأول بعدها يقوم بقية
الشعراء بأضافة أبيات
شعرية آخرى الى أن يصل عدد أبيات القصيدة الى 100 بيت.
كان المقطع الشعري الأول في قصيدة الهايكو يدعى (الهوكّو) hokku وكان
يشير في
العادة الى أحد فصول السنة. وكان كل مقطع شعري لاحق يرتبط بشكل من الأشكال
بسابقه وبالصيغة ذاتها مثل التماثل في عدد المقاطع الصوتية أو أنساق المفردات.
وهكذا
أنبثقت قصيدة الهايكو التقليدية وغدت قصيدة مستقلة."
ويقول زيد الحلي "على نقيض الشعر الغربي والعربي، يخلو الهايكو من
القافية
والوزن، وتتصف قصائده بالبساطة الخادعة بما يخص جذورها وعمق مضامينها،
وتتطلب
أنقى وأعمق الوعي الروحي للفرد، لكونها تمثل كل العالم الديني والتجربة
الشعرية الشرقية
وتتبع الحالة الذهنية للهايكو من فكر فلسفة نكران الذات والوحدة وقبول
الإقرار بالجميل
والصمت حين يفقد الإنسان الكلمات والتناقض واللاعقلانية والفكاهة
والحرية واللا أخلاقية
والبساطة والمادية والحب والشجاعة."
واشتغل عدد من الشعراء العراقيين والعرب بهذا النوع الشعري واول لقاء عربي
بهذا
الشعر كان عن طريق ترجمة مقالة للناقد الامريكي المختص بالثقافة اليابانية
"دونالد كين" نشرت في مجلة "عالم الفكر "الكويتية سنة 1973
ونذكر
منها ديوان "ياعنب الخليل" للشاعر الفلسطيني "عز الدين المناصرة الذي
صدر
سنة 1964 والشاعر المغربي "احمد لوغيمي" الذي تخصص في شعر الهايكو ومنه
ديوانه " رسائل حب الى زهرة الأرطانسيا" والشاعر العراقي الاصل والمولود
في
حيفا "محمد الاسعد" الذي يعتبر اكثر الشعراء اهتماماً بالهايكو والشاعر
"عذاب الركابي" في ديوانه " العصافير ليست من سلالة الرياح" وديوان
"بغداد في عيون الهايكو" لأحمد هاشم وديوان "حسين عبد اللطيف"
المعنون بين آونة وأخرى يلقي علينا البرق بلقالق ميتة" وللمزيد من معرفة قصائد
الهايكو العربية يرجى مراجعة كتاب
"انطولوجيا قصائد الهايكو العربية"للكاتب
"عباس محمد عمارة".
وتوجد تجمعات ادبية في دول عربية عديدة مختصة بشعر الهايكو مثل النادي
العربي
للهايكو في سوريا والنادي العربي للهايكو في الاردن الذي يديره "محمود
الرجبي".
ديوان بلقيس خالد الاديبة البصرية بلقيس المعنون ( دقيقتان...ودقيقة واحدة)
وبعنوان
فرعي ( هايكو عراقي ) صادر عن دار المكتبة الاهلية في البصرة سنة ٢٠١٩ وهو
يتميز بقصائده التي تتبع نمط شعر الهايكو باسلوب متميز.
الديوان مقسم الى ٢٣ باباً وفي ١١٧ صفحة وبطباعة انيقة جداً.
وبلقيس خالد هي شاعرة عراقية من مواليد مدينة البصرة موؤسسة منتدى أدبيات
البصرة الذي يعتبر أول منتدى ادبي نسوي تابع إلى اتحاد ادباء وكتاب العراق فرع
البصرة
،صدر لها :
1- أمرأة من رمل / ..شعر ..صدر عن دار الينابيع دمشق.. 2009..
2- بقية شمعة قمري /. هايكو عراقي.. صدر عن دار الينابيع دمشق.. 2011.
تضمن هذا الكتاب بعض الهايكوات في انطلوجيا الهايكوالعربي/ عبد القادر الجموسي/ المغرب.
3- سماوات السيسم /سماوات السيسم.. شعر.. صدر عن دار ضفاف .. الشارقة..
2013..
4- رواية كائنات البن.. صدرت 2017.
لكن لماذا هايكو عراقي...هل يوجد هايكو حسب التقسيم الجغرافي؟
عند قراءة النصوص نجد الاجابة .
في الديوان نجد أشتغالات مهمة جداُ
ففي الباب الاول المعنون حكايات تقول بلقيس:
(أستكانات الشاي
لاحكايات لها
حين تروي عطش الاحبة )
ونقرأ:
لم يحتفظ الكنتور بشئ)
الكثير من الحكايات تسربت
عبر شقوق الثياب )
حيث تستعير الشاعرة من اللغة المحكية كلمات ربما لا نجد لها مثيل في اللغة
الفصحى
يحمل نفس الحميمية والالفة والروح العراقية..استكان الشاي له مكانة مهمة في
الحياة
العراقية وصيغت له الكثير من الحكايا والاساطير والطقوس .
أما الكنتور فهو دولاب الملابس الخشبي ..الفقر هنا هو قرين تلك الشقوق
التي تسربت
منها حكايات الشقاء والالم .
انها حكايات الاشياء وتذكرنا بسرديات الان روب غرييه عندما يجعل من الاشياء
أبطال
لقصصه..كذلك فعلت الشاعرة عندما جعلت للاشياء (البساتين -الصحراء- النهر
الصغير-
الواحات- السراب- الحجر-الزمن-فنجان-الشجر) وغيرها حالات شعرية
باذخة .
وفي الباب المعنون منحدرات متصدعة نقرأ حالات نسائية لها الام غير محسوسة
لغيرهن :
(في الارض الخصبة
والصحراء
وصخور الجبال
المرأة
( عشبة زرقاء.
و :
( في المساء تترك الستارة
قليلاً
(الارملة الجميلة
تحاول الشاعرة الكشف عن الالم والمعاناة التي تعانيه المرأة بين سخط الحروب
(لاتقل / لأمرأة /فقدت اولادها/:الحرب ...انتهت)
والامومة التي لا يهتم اليها احد بقدر
ما يهتمون بصراخ الرضيع
(في آخر الليل لا أحد يفكر عند سماع/بكاء الطفل/: بمعاناة الام
)
في الفصل المعنون ( مليئة بالنشيج ترتفع أسئلتي)
نصوص عن حيرة عاشقة حالمة
تخشى الرحيل والانتظار :
إحلمُ )
وتحلم...
والمسافة :يقضة واخزة )
في الفصل المعنون ( وحده..الذي هجرته الاسئلة ينتظر مفتاحاُ)
ثمة نصوص
تأخذ من الغيم والكهف والظل والسماء والنجوم مواضيعاً تصوغها الشاعرة باحتراف بالغ(كهفٌ
شفافٌ: الظل )
في الباب المعنون ( ضيقٌ جلد ايامنا ) نصوص عن العلاقة بين الجسد والثياب
( حين تدس في الثياب الانيقة جسدك/يتوهمونك مبتهجا) و
( نغطي قديمها/ بجديد الثياب
/ :أجسادٌ نقيم فيها )
في فصل ( وقفة ) تضرع الى اله يعرف كل شئ وحين لا يملك الانسان الا وزره
فأنه يطرق باب هذا الاله مطمأناُ
ونقرأ في فصل ( دفقة زهر ) نصوص تنتمي الى الورود والنحل وحديقة البيت
( ضرع النحلات / هذه الازهار )
الشاعرة كانت أمينة جداً على تطبيق شروط الهايكو في هذه النصوص ولا نستطيع
في
هذه العجالة أن ندرس تجربتها بشكل عميق لأننا مازلنا في طور القراءة والتأمل ربما
بعد عدة قراءات للديوان نستطيع ان نفهم ونستوعب التجربة بشكل أعمق..لأن القراءات الاولى
تظلم الكاتب دائما .
الديوان يمثل نقلة نوعية في الشعر العربي ويثبت بما لا يقبل الشك ريادة
العراق
وبالتحديد البصرة في تجديد الشعر العربي وكيف يستطيع الشاعر العراقي أن يطوع
المدارس والاشكال الشعرية الاجنبية بما يتوافق مع الشعرية العربية ، لكن هل تعد
قصيدة
الومضة العربية هي هايكو ؟
هذا الديوان يستحق أن يوضع تحت مجهر النقد الحقيقي.