قراءة: حسين سرمك حسن
(في حجرتي المظلمة
صوت القصيدة ينادي:ألبسيني ثوب انور
ألمح عين النور
تثقب الستار
فتحترق القصيدة ..).
(امرأة من رمل) هو عنوان المجموعة الشعرية التي صدرت عن دار الينابيع في دمشق مؤخرا للشاعرة (بلقيس خالد). ضمت المجموعة خمسة وخمسين نصا بين طويل وقصير صممتها الشاعرة في ستة أقسام: حزمة ضوء، حضور الغائب، تقاسيم الليل والنهار، أراجيح، مروج ملونة، وتهويمات الرمل. وقد طغى الإحساس بالثكلان والفقد وأهوال غولة الحرب على أجواء المجموعة:
(حين هم الله بخلقها
أخذ من صدره ضلعا
فإذا هي امرأة
عاشقة
نظرت إلى رجلها
فإذا هو قتيل ..)
وهذا الهم الذي صار هما جمعيا مدمرا يعصف بوجود الشاعرة ويخنقها بغصة الخيبة والإحباط:
(بالسخام
الحرب: ترسم خارطة الوطن
ومقلتاي: ترسمان الرافدين ..).
وبتراكم لطمات الفواجع الماحقة، يتحطم الوجود الفردي، وتتهشم الإرادة، وتنسحق الروح، ويكون المآل النهائي –وهذه هي بؤرة العنوان الموفق الذي اختارته الشاعرة لمجموعتها- ان يصبح الإنسان “رملا وجوديا” مهانا:
(لا عجب من تكاثر الخطوط
على جسدي
فما أنا
إلا ..
رمل في تخت لزمان
تجلده سياط السنين
لتستحضر تجاعيد الجبال
في ربيع سهوبي ..)
ويبقى لقصيدة (بلقيس.. و.. نقرة السلمان) موقعها المميز في مسار المجموعة، فقد وظفت الشاعرة قصة من قصص الموروث الديني لتمرر من خلالها محنتها العاصفة:
(حين وشى الهدهد
بعظمة مكتبتي
بلمح البصر.. رُحّلت إلى سليمان
كل مملكتي
تكسرت قوارير البلاط
كاشفة عن نقرة التهمت
أنهار سعادتي..
رياح كشفت عري ساقي
بعد اجتثاث العرش
أحرقت غصني ..)
قدم للمجموعة الناقد (مقداد مسعود) الذي وصف جهد الشاعرة بالقول:
(من منظور معين، يمكن للقارىء أن يرى في بعض النصوص محاولة شعرية، لتصفية حساب مع زمن القسوة والاستبداد الذي يحسن العد إلى ما لا نهاية في أرض السواد المدمى حيث المرأة كابدت وما تزال.. ومن منظور ثان، ترصد بلقيس خالد العادي والمألوف في الحياة اليومية، وتلامس بعين الدهشة عبر الومض الشعري في (حزمة ضوء) فترى السلحفاة وقتا، والرجاء خيمة، وتصغي لعزف الجندب).