قراءة في سيكولوجية النص “بقية شمعة قمري” للشاعرة بلقيس خالد / حيدر الاسدي
( بقية شمعة قمري) المجموعة الشعرية الثانية للشاعرة والصحفية بلقيس خالد ، تحت مسمى ( هايكو عراقي) وقد أسمته في مقدمتها ( هايكومي) ( هايكو + دارمي) وقد شكلت مفاصل المجموعة على أبواب ومنها ( قرط / غصون يبللها القمر / أوتار بكماء) وان القارئ المتمعن في المجموعة سيجد ان ثمة عوامل وإرهاصات نفسية قبل مخاض القصيدة واللحظة الشعرية التي تنسكب بها المفردات وفق انعكاسات ( الذات ألحاكيه الشاعرة التي تعيش اللحظة الشعرية) وفق هذا المنطلق كونت المجموعة علامات تفصح عن الحالات النفسية ( للذات) وهي تخاطب ( العالم) وفق متخيلات معاشة وأخرى انتقاديه تشبه ما تمر بها ( الذات) لحظة انفرادها مع نفسها وتفردها مع نصها الشعري ، تقول في ( الوتر الرابع) ( بيني وبين جسدي غربة : أنت ) من هنا يبدأ العامل النفسي والسيكولوجي يشتغل إذ أن التقسيم ( روح + جسد ) يفصح عن ذلك فغربتها روحها وهو ( الاخر) بكافة تداعياته يساوي روحها ! وهنا يقع التلاصق النفسي كعامل موضوعي في اغلب القصائد.
تقول في الوتر السادس : (وحشتي من قادت الظلمة لسراجك) وحشتها ( بؤسها ...وحدتها حزنها ....كل سوداويتها حينما تنعكس على أفق الاخر ( له) ستطفئ نوره وتحول ما يشع منه بياضا إلى (وحشة) ولكن هل المرأة تحيل الوحشة للرجل؟ هذا ما يجب أن نعرفه ضمن تجوالنا في المجموعة، وفي الوتر السابع : (تحيطني بطلاسمك مس انت يرهقني) هنا تتحول الصورة فغموض ( الاخر) بدلالة (الطلاسم) هو مس يرهق ( انا الشاعرة ...الذات) وهنا تفصح لنا الشاعرة عبر ومضاتها عن استدعاء ذلك الغائب لمحاسبته شعريا كونه شكل حضورا واضحا في كيان المرأة المتشظية في جسد القصيدة فالمرأة لديها خزين من الأوجاع عبر السنين الطوال وذاكرة محملة بالهم فتقول في الوتر التاسع( أشكو خزين أوجاعي إلى شمس) وكل تلك المفردات اليومية داخل بيت القصيدة تشكل لحالة بيئية تكشف عنها التحليلات النفسية للوضعية المعاشة لالتقاط النص او بنائية النص على أساسها. (الرؤية هي رؤية التكوين النفسي للأديب والفنان متفاعلة مع الموقف الفكري لها ، وهي رؤية العقل ورؤية الذات البعيدة عن الأبعاد الهندسية للشيء أي انها غير الرؤية البصرية المتعلقة بالابعاد المادية للوجود الخارجي انها ترمز الى( الما قبل) الذي ترسب في ذات الأديب) (1) وفي قصائد الشاعرة بلقيس خالد تستدعي الغائب وتشكل له جسدا متشظيا وربما هلاميا داخل النص الشعري وذو تكوينات متفرعة ضمن اطار الجسد (كما تعشق العين ....بين الشفاه ...حاسة سمع...بلساني...بحاسة الشم ...تذوقتني..الأصابع ....جسدي..عيني....) وتكرر مفردات (الظلام ...الليل) وهذا يدلل على مهيمنة البؤس الذي يرتدي القصيدة ، ويؤطرها ويؤثث مفاصلها الشعرية فتقول (يوهمنا الظلام بالنور) (متشابهان بالقنوط البوم وذلك الليل) فالشاعرة تجرها الأفكار الواقعة ....الجوهر ...المضامين وما أكثرها حزنا وألما وتوجعا لتتحول في إطار القصيدة الى شعرية عالية تفصح عن خلفية في إطارها النفسي المعاناتي.(وهكذا فإن حالة التوتر الإبداعي وما يرافقها من إبداع تتحكم فيها عوامل لاشعورية بشكل أساسي، ويأتي دور التفكير والمراقبة والوعي مكملاً ومتابعاً وموجهاً للدفقة اللغوية الشاعرية والتي تتضمن في بنيتها مزيجاً من الانفعالات والصور الذهنية والأفكار التي تتفاعل في شخصية الشاعر وفي أعصابه وتكوينه) (2) وفي قرط (2) (عناقيد مطر) من قصيدة حقائب تقول: ( ليل بلا نجوم من دسه في حقيبتي؟) انه تساءل عن العتمة والظلام الذي ملأ حقيبتها رغم عن أرادتها وبلا وازع ، وربما هذه مهيمنات مجتمعية بدأت تسطو على كيان المرأة وتكبله بوابل من القيود الظلامية التي تزرع حبالها في كافة انحاء كيان المرأة .وتقول ( حقيبة امي فوطة محشوة بالدمع) إنها الذاكرة والحنين والتاريخ المملوء بالبكاء والنحيب والآلام التي ما انفكت تفارقنا وهي جليسة معنا مع الام العراقية اينما ترجلت فثمة بكاء ينتظرها على أسى الأيام ،وتقول (وسادة الجندي : حقيبة سريره الرصيف) انه تدوين لحالة مرئية يرثى لها من حقب تاريخ العراق ، وتقول (فتحت حقائب المحاصصة اتامل ...ما تبقى من ج س د الوطن) تومئ إلى الأشلاء التي قطعها أوباش المحاصصة المقيته من جسد هذا الوطن الحاني... وفي (عصا) تقول : (للعين تنازلت عن دورها الاذن الناس يتحاورن بالعصا بعصا راع ساق حضارتنا لكل الحروب) تتكلم شعريا عبر نصها عن تحول من ظاهرة استماع أهوال ما تحصل لينكشف لنا ما كنا نسمعه صوتيا الى عرض مرئي يفصل كافة عصبياته لنرى بأم (أعيننا ) كيف تساق الحضارة بيد الرعاع الى مصير مجهول !!!!
وفي ( جدار ) ( قالت بالشجر لا بالجدار استظلي) أي بالحياة المتحركة النابضة لا الجامدة ، بالنخلة رمز الشموخ ورمز كبير لدى اهل الجنوب والشاعرة من البصرة الفيحاء ، فالنخلة ام وحنين الذكريات وشموخ المرأة التي تستظل بها ان جارت بها الأيام ، والجدار رمز الخشونة !!! فالشاعرة توظف مفردات الحياة اليومية داخل نصوصها وتبني على أساسها قصيدتها .( اللغة في النص الشعري الحديث يجب ان تؤدي المعنى بطريقة متفردة ومختلفة – غير قياسية – وكأنها ترد بهذا الشكل للمرة الأولى ولا يمكن ان تتكرر حتى لا تسقط في قبضة التقليد وتفقد خصوصيتها البرقية والاشارية) (3) وفي ( نافذة ) ( كلما تمسح النساء نوافذ عربات الاغنياء يتسخ الوطن) كاشفيه عن إرهاق المرأة وعملها المرهق الذي يفتت كينونتها العاطفية كامرأة وهذا لا يجوز ان تستغل المرأة في اعمال تستعصي عليها ولكن الحاجة تجبرها لهذا ...فالنص يقول شعريا ان البلد الذي تمسح فيه النساء نافذات عربات أغنيائه فهو بلد لا يحترم المرأة ولا يوقر كيانها الأنثوي !
وفي (مرايا) ( كسر مرايا البيت كلها كي يرى الفرق بيننا) لأنه يرى نفسه سلبيا يريد ان يدخل أعماق الآخرين ليرى ويتمنى ان يرى أنهم سلبيون مثله ويطابقون رؤاه!!!
هذا مشغل من لا يجد سبيلا لتغير نفسه ولا يقوى ان يصل الى ما وصلت إليه المرأة نفسها!!! وفي ( قميص) (العشق قميص بجسدين حصريا) هنا التماهي الذي يجعل تداخل احدهما في الاخر أو خسارة احدهما للأخر يعني توحداً في حالة العشق أو الطرفية في حالة العشق وهكذا رمزية القميص الذي يحمل الجسدين !!! وفي ( وسادة وشرشف) ( متكبرة ظلت وسادتي لا رأس يكسر انفها) الأرق والألم هو من أحالها إلى أن تهجر النوم بدلالة إتباعها بقصيدة ( قلق) وهنا التراتبية تكشف عن الحالات النفسية للحظات كتابة النص وتمفصلها في المجموعة الشعرية كافة ، اذ أن الحالات التي تفصح عنها الشاعرة هي حالات التأزم اليومي للأنثى العربية والعراقية بصورة خاصة وفي المجموعة بوح للمرأة الشاعرة تكشفها القصائد بجمالية عالية في اللغة.