بلقيس خالد

الموقع الرسمي للشاعرة والروائية بلقيس خالد

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

هايكو عراقي للشاعرة بلقيس خالد الإفتراض يتجاوز حدود الممكن جبار النجدي

هايكو عراقي للشاعرة بلقيس خالد



الإفتراض يتجاوز حدود الممكن
جبار النجدي              
لا تُخفي الشاعرة بلقيس خالد ميلاً نحو كثافة الصورة الشعرية وبساطتها في آن ضمن مجموعتها الشعرية (بقية شمعة ــ قمري) ــ (هايكو عراقي) ولكنها في الوقت ذاته لا تتوانى من الايغال في عالم الافتراض متجاوزة الحدود القصوى للممكن .
ومن ثم فأن الصور الشعرية لقصار نصوصها قد تسلك طريقاً لا يصل الى النهاية في المقطع الشعري فهي تدور في اطار (استبدال الشيء بضده) ضمن الفضاء الافتراضي العاجز عن تثبيت حدوده ، من دون ان تجعل فرص حضور المعنى تفوت في النصوص ، يجري ذلك عبر صور شعرية تمتلئ حبوراً وتدل على اشتغال شعري بسيط ولكـــنه من نمط صــعب :
بحاسة الشم
استدل
على ظلك
إرتفعّ شهيقك
بالهبوط
وفي اطار هذا السعي فأن الشاعرة بلقيس خالد تنطلق بفاعليتها الشعرية من فكرة الفضاء الافتراضي الذي يشكل نقطة التقاء في  الاوان ذاته مع الاشياء الى جانب الرغبة في احتواء قسوة الزمن وخلق حالة من استكمال العلاقة مع ما تطرحه صورها الشعرية من مرئيات للبيئة والموجودات والانسان ، وبما يتفق مع التوجه لقلب المعادلة في كل مرة تجاوزاً للمألوف بقصد اضافة مساحة جديدة للتخييل المحمل بالرؤى البليغة من الاسى الشفيف القادر على توليد ما يستكمله عبر اشتغالات شعرية متفردة من شأنها انتاج نصوص تنزع الى الابتكار وتخليق صور شعرية تظهر على مساحة المشاهدة العينية بكامل جمالها وانـــــاقتها المجــــازية :
بحاسة الشم اتلمس النهار
عمياء الشمس
لولا العصافير
او :
التاريخ تصنعه المخالب
ضحيته
الحمامة.

المطر
يذكر القبور بالحياة.
ان اشتغالات بلقيس خالد تتيح للشعر ان يتحول الى بنية افتراضية غاية في الابتكار ، فالاشياء لا تنظر اليها النصوص بصورة مباشرة بل عبر اختلاس النظر ولمحها من غير ان تكون مرئية ، اي انها غير موجودة على النحو الذي نراها فيه عادة ، ومن شأن ذلك ان يسمح بانتاج بعد آخر في الشعر يسوده الصفاء والوضوح المنصرف الى مراميه ومتغيراته العميقة التي تذهب الى الغاية نفسها ، ومفادها ان المعنى شيء افتراضي وان صعوبة الامساك به هي اسمى من ادراكه :
دونك تخطفني
مظلة متواطئة مع الريح.

ثقيلة هذه الغيوم
يا مظلتي كوني
عكازاً.

وعلى هذا الاساس يكون ممكنا القول انه لا شيء يمنع من الافتراض في شعر بلقيس خالد ، طالما ان حالة الافتراض بوسعها ان توّلد معنى جديداً بأمكانه ان يقمع اي معنى آخر ، وفي اطار هذا الفهم فأن المعنى في حالة كهذه يصبح مقارباً لحركة الزمن الذي لا يضع حدوداً لجريانه وهو بهذا يكون بمثابة طرف تواصلي من شأنه ان ينتج تتابعات لمعنى واحد يقترن بهاجس التبدل على الدوام ، وهو على هذه الشاكلة انما يمثل درجة من درجات الافتراض يتم تمرير المعنى بوســــاطتها :
ـ لا نافذة
لي
سوى
صورة
على الجدار.

ــ لا
منديل
لي ..
سوى
كفي.
ان طبيعة الكتابة الشعرية في هذه المجموعة التي تقوم على فكرة تعزيز حالات الافتراض هي بالاساس ناجمة عن موهبة شعرية لا يمكن تعلمها ، وبالتالي فهي مقترنة بدرجات غير محدودة من الافتراض للحد الذي يصعب قياسها ، بل يمكن القول بانها تأليف خاص لمعاني افتراضية تجيد الانفلات من قيود تسلط المألوف إذ يمكن ان تنتج قراءات متعددة للمعاني ، ويبدو ان الاشتغال الشعري في المجموعة هو اشتغال بريء ولم يخضع للتصميم او للمقاسات الجاهزة من جهة الشاعرة ذاتها ، بدليل ما نكتشفه من مظاهر الحس الانساني وعدم التكلف وهو السائد في هذه المجموعة ، ومن الانسب القول ان النصوص تحفل بما ينم عن متضمنات تبصرية تفيض بكل ممكنات الرؤية الشعرية الخالية من التعقيد والمنفذة بعفوية وبراءة متناهية :
ـ ارسم غيمة
يهطل
بئر ..
بلا يوسف.

سلم انا
وسط الصحراء.

ان شعر بلقيس خالد في هذه المجموعة ينتمي الى عاطفة متأججة يهمها ان تكون اكثر وفاءً باستمرار لمستوى آخر من مستويات المعنى المتداول الذي تسوده صفة الايجاز بالعبارة والجملة الشعرية الناجمة عن اشتغالات الافتراض وما تنطوي عليه من حبكة واقتضاب إذ تسعى الصورة الشعــــــرية الى القبض على لحــــظة نادرة عبر لمحة عين خاطفة وضمن تفصيل مرئي موجز مخـــــبوء بشـــــفافية الاشياء ، بل هــــو شديد التخفي فــــي كل شيء ، وفي سياق لعبة شعرية لا تُعرف قواعدها .
جريدة الزمان11/2/2015

عن الكاتب

.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بلقيس خالد

google-site-verification: googlee09bc7865ace1b6b.html