بلقيس خالد

الموقع الرسمي للشاعرة والروائية بلقيس خالد

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

هايكو..عراقي إصرار على الاختلاف حميد حسن جعفر

هايكو..عراقي إصرار على الاختلاف حميد حسن جعفر

"1"
بلقيس خالد - شاعرة/ امرأة لا تصلح للإجهاد، تقطع المسافات الطويلة. قد تكون بطلة لمسافة كلمة واحدة، أو لمجموعة كلمات لا تتجاوز عدد أصابع الكفين.
لا أعتقد بأن الفراشات من طبيعتها الهجرة، كما لو كانت تنتمي لطير "الكراكي". الفراشات لا تعرف الهجرة، وقد يؤكد المهتمون بشؤون هذه الكائنات، من إن الفراشة، كائن ينتمي الى القارورة/ الأنثى؛ فتحولاتها/ عمرها لا تتجاوز الأيام المعدودة.
 
 
القصائد وقراءتها، والتي تكتبها "بلقيس خالد" فراشات. قصائد لا تحتمل الصراخ، قصائد بعيدة عن المنبرية/ غير صوتية. بل إنها لا تمتلك من البوح سوى الهمسة.
 
"2"
في المقدمة "قنديل ملون"، تـُرجع الشاعرة شكل منتجها الشعري ومعماريته، وهندسة تشكيله الى فن "الدارمي" الذي يستخدمه الشاعر العامي/ الشعبي كما يسمى. إلا إن القصيدة المختزلة، أو قصيدة الومضة، أو التي تسميها الشاعرة نفسها - والتي تكتبها هي - بـ "هايكو عراقي"، أو كما تحب أن تسميها "هايكومي"، محاولة نحت كلمة/ مصطلح يتشكل من نحت كلمتي "هايكو" و"دارمي"؛ إلا إن "الواقع الشعري العربي المتوارث" يقول شيئاً آخر.
إضافة إلى هذا وذاك، هناك أشكال شعرية تنتمي إلى الثنائيات والرباعيات والتشطير والتخميس.
وهناك في الشعر العامي/ الشعبي أشكال شعرية تقترب منها ما تكتبه (بلقيس خالد) ومنها "الابوذية" و"الزهيري" و"الجلمة ونص" و"الميمر" و"الموال" و"النايل"، والذي يقال إن أول من قاله امرأة. ورغم جماليات "النايل" فقد عده البعض من المهتمين بشؤون الشعر العامي من إنه من اهتمامات المرأة؛ بسبب بساطته ورقته، وعدم حاجته للكثير من الصور والتراكيب، وإنه ينتمي الى الإيجاز، وعدم الإسراف. إن أول من قاله تلك المرأة العاشقة
"نايل جتلني ونايل غير الواني"
وقد اخذ هذا اللون الشعري اسمه من اسم حبيب تلك المرأة.
الأشكال السابقة المنتمية للشعر العامي توجب على الشاعر أن يقول كل ما لديه ضمن هذا الفضاء/ الشكل، بعيداً عن الخروج على قانون الكتابة. أي إن الشاعر واقع تحت سلطة اشتراطات شكلية لا تجيز له الخروج عليها، وتضعه وسط مفصل الاقتصاد في القول، وعدم التبذير في الكلام. أي إن الصنعة هي التي تدير شؤون النص، وما على الموهبة أو القريحة أو المخيال إلا الانصياع لهندسة الشكل القاسية والمتفق عليها.
 
"3"
هل استطاعت بلقيس خالد/ الشاعرة أن تكتب هايكو عراقي - أو "هايكومي" كما تقول أو كما تعمل. على كتابة نص يأخذ كشكل لقصيدة نثر/ تأخذ شكل فن ينتمي للشرق. كما تنتمي الشمس لهكذا اتجاه.
قد لا يكون القارئ على بينة من أمر الشاعرة، قد لا يكون مهتما لشكل المنجز الشعري، أو قد لا يتوقف عند هندسة القصيدة إلا القليل؛ إلا أن الشاعرة استطاعت أن تكتب قصائد تنتمي الى طموحاتها، الى هواجسها. قد يتعاطف معها القارئ، أو قد لا يتعاطف؛ إلا أن الاقتصاد بالقول/ المدونة، ومحاولة التمويه عن الأفكار والرؤيا بكلمات وصور مضادة يشكل ملمحاً واضحاً، أي إنها تدخل عالم التناقض، وصولاً الى صناعة الموائمة/ الاتفاقات.
لقد كانت تقف وبقوة عند منطقة التقتير، علماً إن القارئ كثيرا ما يبحث عن الكلام الذي يشرح، ويفسر، ويستدرك، ويعقب ويعلق عن وحول الأحداث والوقائع، والأسباب والنتائج، والمبررات.
في "نصوص" بلقيس خالد التي اكتفت بأن تنوه عن جنسها الأدبي بـ "هايكو عراقي"، لم تقل ولم تضعها في جنس الشعر أو القصائد. في هذه النصوص قد لا يضع القارئ يده على وقائع، قد لا يضع يده على جغرافيات، ولا على أزمنة.
قد يعتبرها البعض مجموعة "تهويمات" إلا أن ما يقف خلف الصورة، أو في أقصاها، وما ينتمي الى التلميح، أو الإيحاء، والإيماء، لابد له من أن يذكر القارئ بفن المسرح الصامت "البانتومايم"، فن الحركة، أو فن القول الصامت، الذي تقوم به حركة الجسد.
كتابات الشاعرة في "بقية شمعة: قمري" قد لا تقول، قد لا تتكلم؛ وما على القارئ إلا أن يكون نبيهاً، قادراً على تقليب الأمور على أوجهها التي لا تعد. من أن يضع في حسابات إن هناك أكثر من وجه للصورة، وأكثر من صفحة للفكرة. وعلى القارئ أن يمنح قراءاته الكثير مما لا يتوقع بل عليه أن يمتلك أكثر من قراءة، من الممكن أن تنطلق من أكثر من زاوية، أو مفهوم. أي إن تعدد القراءات من الممكن أن يتبعها تعدد مستويات/ طبقات لفهم القراءات هذه.
ولأن الشاعرة لم تستخدم عملية الترقيم والتخييم للفصل بين النصوص، أو لعزل النص عن النص الآخر في محاولة منها في صناعة قارئ مختلف، قادر على حسن تدبير شؤون قراءاته هذه، وذلك عبر استخدامه لمعارفه التي تؤشر الى اكتمال الفكرة، أو انتهاء الجملة الشعرية، أو بداية الصورة.
***
في قصيدة النثر التي تكتبها "بلقيس خالد" لا تنطلق الأفكار على شكل أسراب من الممكن أن تثير انتباه الجميع، بل أن الفكرة هنا تحاول أن تتماهى/ تختفي وراء صورة أو كلمة، خلف مجموعة نقاط. أو عند انتهاء عبارة. قد لا تكون غامضة أو عصية، ولكنها متمعنة، تبحث عن استقبال هادئ، عن قراءة العين أكثر من بحثها عن قراءة الحنجرة.
     واذا ما كانت هناك عملية تنقيط/ فراغات يشتغل عليها سطر أو شطر داخل النص الشعري ضمن مجموعتها الشعرية الأولى "امرأة من رمل" ففي "بقية شمعة: عمري" عملت على أن تحول معظم النص الى مجموعة اسطر منقطة كما هي الحال في "الوتر الثاني" ، والأوتار الأخيرة ص24.
     وعلى الرغم من صعوبة الوصول الى ما تريد الشاعرة قوله، إلا أن القارئ بإمكانه أن يقول ما لم تقله الشاعرة، وأن يملأ الفراغات بما يناسبه أو يناسبها؛ ليتحول الى صفة المشارك في الكتابة. قد يصيب/ قد يخطئ، قد يحاذي، قد يتجاوز، إلا أن بلقيس خالد استطاعت أن تثير انتباه مجموعة من القراء معتمدة على أن الممحو من الكتابة يشكل طرساً؛ وعلى القارئ أن يبحث عن الممنوع من الكتابة. وإن هذا الممنوع قد يكون موجوداً في صفحة أخرى، وسط نص آخر قد لا يبتعد كثيراً.
"4"
 هل في مشروع الشاعرة "بلقيس خالد" إدخال القارئ في مجموعة امتحانات تمكنه عبرها من اجتياز التصريح عبر التلميح؟ ذلك من أجل الحفاظ على الجملة الشعرية، عبر ابتعادها عن الإسفاف!
 من الممكن أن يقول القارئ هذا القول؛ فهي تحاول أن تعيد تشكيل الكثير من مفاصل الحياة الخاصة والعامة، أن تعيد صناعة مفاهيم جديدة لأشكال قد تبدو مستهلكة بسبب انتمائها للحياة نفسها. وبما إن الحياة تنتمي الى قانون المغايرة، فما على تعريفاتها إلا أن تتشكل عبر المغايرة والاختلاف. ولأن الشاعرة تتحرك وفق سلطة المختلف فلابد من إن منتوجاتها تتشكل وفق هكذا مفهوم؛ مفهوم الاختلاف والمغايرة.
الأشياء التي حولها كائنات، الموجودات تأخذ الكثير من حياة الانسان، أو ما يمكن أن يسمى بالأنسنة. تلك التي تتحول عبرها الجمادات الى مخلوقات تتنفس/ تنمو/ تتغير، وبالتالي تمتلك سلطة القدرة على صناعة الحياة والتي هنا هي القصيدة.
***
قد لا تضع المقدمة التي وضعتها الشاعرة تحت عنوان "قنديل ملون"، قد لا تضع بين يدي القارئ أي عتبة لدخول عوالم القراءة. فالقارئ قد لا يكون بحاجة الى توضيح يفسد عليه فعل المغامرة. هل كانت المقدمة طوق نجاة؟
قد يكون الإهداء مفتاحا لبوابة من بوابات "علي بابا" المتعددة، وعلى القارئ أن يبحث عن مجموعة مفاتيح، أو عن المفتاح السري القادر على صناعة بوابة واسعة تطل على سهوب الحياة التي لا يمكن للشجرة الواحدة أن تمنع رؤية الغابة التي تقف وراء الشجرة. وما على القارئ إلا أن يستدل على وجود الغابة/ الشجرة من ورقة لم تزل خضراء، أو عن طريق لحاء مقشوط من أجل كتابة اسمين لعاشقين أو من خلال وجود ظل غصن أو رائحة ثمرة أو رحيق زهرة.
القارئ مطالب لا أن ينبش الذاكرة فحسب، بل مطالب بالاستفادة من ثقب الإبرة من أجل أن ينظر الى العالم. قد لا يجد القارئ متعة آنية عبر القراءة العابرة، بل انه سوف يضع أصابعه العشرة على الكثير من الحيوات، وإن كانت تنتمي الى الخصوصية، الى "الأنا الطيبة"، ولكنها تخفي خلفها عوالم تنتمي الى الحياة الكلانية، حياة الأفراد والمجتمعات والشرائح المختلفة.
حياة البحث عن الآخر، البحث عن مفردات من الممكن أن تتحول الى مناطق مضيئة كما لو كانت مصباح علاء الدين. فالتوقع لا ينتج حالة شعرية، بل انه كثيرا ما يعلن موت القصيدة، أو انسحابها الى الظل.
إذ إن القصيدة
- لدى بلقيس خالد -نتيجة لمبدأ الاختزال/ الاقتصاد. سيجدها القارئ تشتغل وبقوة على مبدأ المفاجأة، على مبدأ اللاتوقع. على الرغم من اعتراف الشاعرة من أنها تقدم أكثر من زاوية نظر، أكثر من تناول، أكثر من رؤية للمفردة الواحدة.
***
"بلقيس خالد" لا تمنح قصائدها أبوة انساق أخرى، لا تمنحها مواصفات خاصة، مواصفات مقننة، مواصفات تحول القصيدة الى دمية جميلة مزودة بـ "دسك" تتكلم من خلاله. بل إنها
-أي الشاعرة - تعمل على إطلاق "هايكواتها" ضمن فضاء الاختلاف لا التشابه.
قد يكون النص نقاطاً فقط. وقد يتشكل من أربع كلمات. أو قد يتشكل النص من أكثر من مفصل. أو قد يتشكل عبر انفراط الكلمات.
فالشاعرة وفي العديد من النصوص تعمل على الاستفادة من العديد من التقنيات الحديثة
-وكما اشرنا أعلاه - منها التنقيط/ الفراغات، ومنها نثر الكلمات التي تعبر عن التمزق أو الانكسار. وكذلك الاستفادة من مفهوم الاسترجاع "الفلاش باك"، والحوار الداخلي "المونولوغ"، ومحاولة إعادة بناء الماضي بحجارة الحاضر. إذ إن الذاكرة لدى الشاعرة تشكل مفصلا شاملا عبر بسط سلطتها على اللحظة الآنية، والتي تحسبها الشاعرة على أنها غير كافية لإلغاء القلق. إن الآخر الجميل/ الرجل مازال يمتلك القدرة على التواصل، بل انه قد يعمل على تشكيل الآخر/ القارئ المنتظر، المنطقة المضيئة والأكثر إضاءة من مناطق أخرى، رغم بعدها عن الواقع، وارتباطها بالحلم.
***
وبقدر ما تكون القراءة الأولى سهلة وميسرة، وغير متأكدة من أنها تضع إصبعها على مصدر الألم؛ تكون القراءات الأخرى أكثر عرضة للقلق، أكثر عرضة لتمزيق القناعات.
فالآخر رغم تماسه مع هموم الشاعرة؛ إلا إن طيبته قد تدفع بها لمعاينة آخر ثان، انه الوطن، بكل تناقضاته. إذ إن الشاعرة كثيرا، بل دائما تعمل على عدم السباحة عند الشواطئ، عند الجرف.
وقد لا يجد الشعراء إلا الكثير من النفايات والعلب، وما يطرح البحر من قشور وجثث نافقة عند جغرافية الشاطئ أو الساحل. بل إن الذهاب الى الأعماق يشكل ملمحاً واضحاً في التجربة الكتابية لـ "بلقيس خالد". قد لا يجد القارئ في هذه التجربة الكثير من الاسترخاء الفكري، إلا انه سيجد الكثير من الجرأة في طرح التصورات، والكثير من المشاكسة، من تسمية الأشياء بأسماء أخرى، لم تألفها شريحة القراء، بل لم تألفها القراءات السابقة.
إذ إن حرفة القراءة، تمتلك الكثير من فنية الحياة نفسها، وإن الانسان القارئ هو الانسان الذي يمارس حياته فعلاً. ولذلك فإن الحس الجمعي يعرِّف الانسان الذي لا يقرأ ولا يكتب من انه إنسان أعمى.
قد تتحول القصائد بين يدي القارئ وكما تحولت من قبل بين يدي الشاعرة الى عيون مفتحة، تثير القلق أكثر مما تنتج من خمول، وتثير الأسئلة أكثر مما تنتج من أجوبة.

عن الكاتب

.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بلقيس خالد

google-site-verification: googlee09bc7865ace1b6b.html