بلقيس خالد

الموقع الرسمي للشاعرة والروائية بلقيس خالد

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شذرات شعرية في كتاب ،،بقية شمعة،، حسن السلمان




        شذرات شعريّة في كتاب "بقية شمعة"
                         حسن السلمان

لا بأس في الانطلاق من التوصيف التقليدي الذي يقول: إن البلاغة هي ما قلّ ودلّ كمفتتح للدخول في عوالم مجموعة (بقية شمعة: قمري) للشاعرة بلقيس خالد. فهذا التوصيف، وعلى الرغم من تقليديته، يفتح أمامنا أكثر من نافذة للاطلاع على ماهية النصوص القصيرة (كمّاً) والمتسعة دلالة مع توصيفاتها المتعددة ومعرفة مرتكزاتها ومنطلقاتها الجمالية والمفاهيمية مقارنة بالنصوص الطويلة الاستطرادية. في هذا الصدد يقول الفيلسوف الروماني (اميل سيوران) في كتابه (المياه كلها بلون الغرق): (نحن عبدة الشذرة والندبة.. ننكب على ما سكت عنه الكاتب، على ما كان يمكن أن يقول، على أغواره الصامتة. لو ترك عملاً فنياً –مكتملاً- أو افصح لنا عن نفسه (كلياً) لظفر منا بالنسيان. لا يسحرنا الا الفنان اللامتحقق). فالشذرة ما هي الا عينة من شيء كلي تم الاستعاضة عنه بالاقتصاد اللغوي والتكثيف وترك الفجوات والثغرات ليتحقق أكثر من غرض، سواء على مستوى ماهية النص، أم ممارسات التلقي. فعلى مستوى ماهية النص، تتحقق ديمومة انتاج المعنى وتتعزز امكانياته الدلالية العابرة للترهين الزمني. وعلى مستوى التلقي فثمة أكثر من خيار تأويلي وقراءة بحكم طبيعة النص، الذي يسوده اللاتحقق وعدم سيادة الصيغة فعلى حد تعبير سيوران: (تحت كل صيغة ترقد جثة). ان النص القصير جداً/ الشذرة، فضلاً عن سماتها وميزاتها التي تطرقنا اليها آنفاً، تتسم بالطراوة والحميمية والوضوح: فلا شيء يصيب العقل بالجفاف مثل نفوره من تصور أفكار مبهمة، وان الغموض مجرد خداع للآخرين، لإ يهامهم بأننا أكثر عمقاً منهم بحسب سيوران. في مجموعتها آنفة الذكر، اعتمدت (بلقيس خالد) في مجمل المجموعة (النص/ الشذرة) مستفيدة من شعر الهايكو الياباني وعلى وجه التحديد من سمات الاقتصاد والتكثيف والبساطة والرقة والايحاء الدلالي من دون التقيد بشكل الهايكو الذي عادة ما يأتي على ثلاثة أشطر.

ان انتاج هكذا نصوص يستدعي اعتماد آليات تتوافق وطبيعتها، لذا اعتمدت الشاعرة على عدة آليات من بينها البياضات الممثل لها بالتنقيط للايحاء بوجود شيء مسكوت عنه، أوغير منجز يضطلع القارئ بتغطيته دلالياً على وفق موجهات ذخيرته المعرفية وسياقات النص، عبر ما يسمى بانصهار الآفاق، من قبيل هكذا نصوص:

(سأشرب الدمع

حتى

أصير

بحراً

.......

.......

نهر أنا.. كرهت عذوبتي)

وببتر المفردة والاستعاض عن الجزء المفقود بالنتقيط:

(لن أغلق الباب

سأهذب الريح

باشجار الـ .... )

كما تستخدم مع التنقيط، الفاصلة البادئة في مستهل النص للايحاء بان الكلام اللاحق، معطوف على كلام سابق يجري تقديره بحسب العملية السابقة، أي على وفق المشاركة التأويلية بين القارئ وسياقات الدلالة العامة للنص، كما في هذا النص:

( ـ يجذبني الشوق

......

برغبات

متعثرة ) .

تستخدم الشاعرة التشكيل البصري عبر تقطيع وبعثرة العبارة والمفردة لإنتاج الدلالة كما في هذا النص بالنسبة إلى العبارة:

( لست شمعة

لكنني

أحب

السيل

تحت اللهب ) .

اما على مستوى تقطيع وبعثرة المفردة وايحاءاتها الهندسية، فتقول:

( الليل : جدار

ي

ت

س

ل

قه

النهار ) .

في حين الاشتغال على المفارقة، فيتصدر آليات الاشتغال بوصفها، أي المفارقة، فضاء تحويلياً لكسر أفق التوقع وأحداث الصدمة والتوتر، عبر التضاد اللغوي المرتبط بالقاعدة الدلالية لمعاني الكلمات، سعياً لتوسيع أفق المعنى وتعددية دلالاته كما في هذه النصوص:

( بيني وبين

حبيبي

اغفاءة

.....

والنوم طير مهاجر )

وكذلك في هذا النص:

( يئن البحر ..

كلما جرحته

عيون الينابيع ) .

ممّا تقدّم وعطفاً عليه، يمكننا القول: ان النص/ الشذرة، يندرج تحت مسمّى الكتابة على وفق أسلوب السهل الممتنع، وهو أسلوب خطر؛ لأنه، ان جاز التعبير، سلاح ذو حدين، فمن لا يمتلك القدرة على تقديم نصوص ذات (وضوح لامرئي) وايصال المعنى بأقل عدد مكن من العبارات المركزة، سيسقط لا محالة في المباشرة والتقرير، وبخلافه سنكون أمام نص (ضيّق العبارة) واسع الرؤية.

وقد نجحت بلقيس خالد الى حد كبير في تقديم مثل هكذا نص، مع تحفظنا على بعض النصوص التي تمادت في جعلها واضحة من دون أن تغطى بنحوٍ كاف فنياً لتسقط في المباشرة، من قبيل قولها: (ـ عمال البناء/: بالغناء/ تسلحوا/ ليهزموا/ العناء) وكذلك: (ـ نكتب: عراق ثراء/ نقرأها في المرآة: رثاء). كما انها عمدت الى تقطيع بعض النصوص في الوقت الذي لا تحتاج الى تقطيع، اذ انها بذلك أفقدتها الانسيابية والايقاع، من قبيل: (ـ لضبط/ ايقاع/ البلابل،/ لا بد../ لا بد من طبلة للمزاج) إذ تتحقق الانسيابية والايقاع على وفق الشكل الآتي، افتراضاً: (لضبط ايقاع البلابل/ لا بد../ لا بد من طبلة للمزاج).

..................................................

المادة منشورة في ثقافة الصباح الجديد 24 /6 / 2012

عن الكاتب

.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بلقيس خالد

google-site-verification: googlee09bc7865ace1b6b.html