بلقيس خالد

الموقع الرسمي للشاعرة والروائية بلقيس خالد

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التأملية في هايكوات بلقيس


التأملية في هايكوات بلقيس

علوان السلمان 

  
العمل الابداعي يرتكز على مقومات الفكر للذات المبدعة ..المنسجمة والذات الجمعي الانساني.. اذ ان (جوهر تفهمنا لعملية الابداع الفني هو ان نتتبع عملية التغيير التي يقوم بها الشاعر بالنسبة لجموع (الانا) المحيطة به).كما يقول كريستوفر كودويل.
والشاعرة بلقيس خالد في مجموعتها الشعرية(بقية شمعة: قمري) الصادرة عن دار الينابيع /2011.والتي تضمنت اثنتان وعشرون قصيدة توزعت ما بين القصيدة القصيرة باعتمادها على اكثر من بؤرة موضوعية مع انتشار صورها على امتدادات النص.
تخطو مع عريسها مرتجفة
فوق جسر هرم تراقصه الامواج
يعوم على مياه شط العرب
يربط بين البصرة وقرى التنومة.
قلت لها مطمئنة:
تخيليه جسر فارونيش /ص87
وقصيدةالومضة التي هي حالة من التوتر الذي يكثف المعنى ضمن بنية موجزة قادرة على الاشعاع الدلالي.
لا على الجدار: استندت على حلمي ص71
وقصيدة الهايكو(طفل الرماد) اليابانية التي تعتمد اللحظة الجمالية مع استدعاء التكثيف والايجاز وهي ترتبط بدلالات الطبيعة ومخاطبة الكون..باشطرها الثلاث ومقاطعها الصوتية السبعة عشر.
والمجموعة بعنوانها الدال على الاستنفاذ الضوئي..تتمثل في الداخل بقرطين.. دلالة الفكر الواحد(الذات الشاعرة).وكل منهما يحمل عنوانا رئيسا الاول(غصون يبللها القمر) واندرجت تحت ظله(اوتار بكماءـ لقاء ـ رماد بارد ـ جهاتي الاربع ـ احلام ـ رذاذ ـ زقزقة.) اما (عناقيد المطر)فقد كانت عنوانا للقرط الثاني وشملت (حقائب ـ مظلات ـ عصا ـ جدار ـ نافذة ـ رياح ـ اشجار ـ جسرفارونيش ـ مرايا ـ منديل ـ قميص ـ وسادة وشراشف ـ قلق ـ قصيدتي ـ كوميديا صاخبة).واكثر هذه القصائد ترتكز على دالها البصري الذي جعلت منه الشاعرة بؤرة تشتغل عليها.. وهي تعتمد في اغلبها الهايكو الياباني.الشكل الدال على رؤيا فلسفية تجري فيه القصيدة مقطعيا على ثلاثة سطور تشكل قصيدة قصيرة تمثل لحظة التنوير التي تسمى (ساتوري)لدى اليابانيين..وتتضمن مفردة فصلية تشكل لحظة تنوير دالة تأتي بعد (الشرطة ـ )او(نقطتان رأسيتان..):
قال..
ما تعشق العين
مرودها
بين الشفاه: خذيني /ص27
فالقصيدة تتحدث عن تجربة جمالية ..ايحائية تنطلق الفاظها بطريقة عفوية تعطي صورة محسوسة تترابط عناصرها فتقدم لوحة تشكيلية تثير مشاعر المتلقي ..حتى ان أي خلل في تركيبها الايقاعي (تدويرها) يحولها الى عبارة خالية من الطاقة الايحائية..وان لحظة التنويرالدالة فيها لفظة( خذيني). يعود تأثير هذا النوع من الشعر  في الشعر الغربي الى ما قبل الحرب العالمية الاولى.. حتى انها كانت سببا في ظهور الحركة التصويرية الانجلو ـ امريكية التي لاقت رواجا في اوائل القرن العشرين..حتى انه    ( من الصعب ان نتوقع افلات شاعر ذي اهتمامات تجريبية من تأثير الشعراء اليابانيين..فقصائد الهايكو الصغيرة المميزة والمحتشدة بالايحاء والمتضمنة لجوهر المخيلة الصافية والمكثفة تجذب الشاعر التصويري..) كما يقول جان هيوز..لذا كان اهتمام الشعراء بالصورة البصرية التي هي(جماع الفكر والعاطفة في لمحة..) حسب تعبير ازرا باوند.. ثم انتقلت الينا عن طريق الترجمة.  فقصيدة الهايكو مرتبطة بدلالات الطبيعة ومخاطبة الكون  تصور الشيء بذاته لا بما يشبهه او يناظره..لذا فهي بعيدة عن الصيغ البلاغية كالتشبيه والاستعارة.
خنجر...
يمزق خاصرة الوقت
لام بين قافين/ص109
فالشاعرة تكتب بوعي شعري فيه اتحاد الذات والموضوع الذي يؤدي الى ذوبان الثنائية فتشكل عندها لحظة الدلالة الشعرية لحظة التجلي..فتكشف عبر قصيدتها عن جماليات الوجود واسراره والفكرة التي تتسلط على ذهنها من خلال الكلمة الشاعرة الملبدة بابعادها التي تشع دلالاتها عبر تكثيفها اللفظي الذي يسمح للمتلقي باعمال فكره واستخدام مهاراته لفك طلسمها ..كونها قصيدة (الصمت المقروء).
في غياب الطيور
من يحك
جلد السماء /ص48
فالصورة الشعرية عند الشاعرة تقوم على التلقائية السابحة في فضاءات الخيال فتضيء خبايا الروح ،كونها تبيح عما يختلج  النفس بتوظيف الحلم(وسيلة الدخول الى الذات وصولا الى المعرفة العليا..) كما يقول جيرارد د. بزفال.
والشاعرة في قصائدها تسعى الى ازاحة الدوال عن مدلولاتها عبر فضاء شعري متقن الصنعة ..بتوظيف طاقات اللغة عبر وحدة مكتظة في الفعل الشعري والاستدلالي.فنصوصها تسافر محلقة بخيالاتها عبر اللغة وايقاعاتها والصور البصرية وتفجراتها اللونية..متوخية المتعة والمنفعة واشراك المتلقي رؤيتها للعالم والاشياء بمنظور قائم على التكثيف والايجاز لغرض استنفار عقله بدهشتها في ادق معانيها..
خيط الفجر
والقصيدة
طائرتي الورقية /ص111
فالطبيعة انعكست على مرآة الشاعرة الذاتية ..فكان الفجر شريكها.. فتفاعلت معه بخلجاتها النفسية وتفاعل معها فحمل ابعادها الوجدانية والفكرية فكان جزءا من موقفها ورؤياها للكون..فكانت صورها متنامية مجتازة المشهد الوصفي بكثافتها المعمقة التي تستنطق اللحظة الشعورية عبر نسيج لغوي قادر على توكيد المعاني والدلالات.
قالت: بالشجرة
لا بالجدار
استظلي /ص71
فالشاعرة تعزف بمفرداتها المموسقة فتخلق ايقاعها الخارجي المتمثل بالحركات والسكنات والداخلي المعتمد على تدفق الصور.وهي تستدعي الذات التي تبحث عن وجودها الكوني لتخترق مكنونات النفس بوساطتها..عبر انسيابية المعاني التي تسمح للمتلقي مشاركتها في صناعة الصورة التي تنبئ عن صدق التجربة التي تسبح في مساحات شعرية منحصرة بين شاطئي الواقع والتخيل الدافئ والتي تكشف عن معطى ثقافي ٍ وابداعي ٍ وجمالي ٍ لشاعرة تغزل من خيوط الشمس خيمتها التي تستظلها لتنسج نصوصها التي تشكل مرجعيتها معبرة عن مكنوناتها  واللحظة الشعورية وصميم الذات عبر مفرداتها المعدودة التي لا تتجاوز السبعة عشر بثلاثة اسطر متميزة بوحدة الموضوع والتكثيف والاقتصاد في الالفاظ الموحية باعتماد بؤرة موضوعية.
  

عن الكاتب

.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بلقيس خالد

google-site-verification: googlee09bc7865ace1b6b.html