بلقيس خالد

الموقع الرسمي للشاعرة والروائية بلقيس خالد

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قراءة وتأويل في مجموعة (بقية شمعة: قمري) للشاعرة بلقيس خالد

قراءة وتأويل في مجموعة (بقية شمعة: قمري) للشاعرة بلقيس خالد


رياض عبد الواحد


 الرزوح تحت وطأة الغياب

 شعرها ... لسان وعيها, دواخلها المملوءة بالأسرار, هو أيضا معطى ذاتها الحالمة , المهدهدة ...بلقيس خالد ..خزين إستراتيجي ,تنفلت فيه الحقيقة لتصبح حلما, ويتصير الحلم ليصبح حقيقة بأشياء تنعقد خلف المكتوب عبر ثنائيات التقابل والتضاد , الحضور والغياب, الخير والشر والموت والحياة ... انه الخطاب الممتلئ الذي يظهر المخبوء ويخبئ الظاهر بنحو جمالي ويزيح عن الماورائيات حجبها برؤية يقظة تخرج على نمطية المتداول لتجسد قابليتها في الكتابة الإبداعية .

تضعنا \ ثريا \ المجموعة منذ البداية أمام تضاد مقصود , فالشمعة أداة منحلة , زائلة , بينما القمر أداة كونية راسخة , بيد أن \ قمر \ الشاعرة لا يقع ضمن هذا المسار , انه قمر راحل , زائل , وبريقه آيل إلى عتمة , وما نوره إلا انعكاس مؤقت لبقية باقية منه . هذا المناخ النفسي - منذ البداية - يؤسس لدائرة تهيمن عليها وحشة الغياب , لهذا اختارت الشاعرة شيئين ماديين : الشمعة + القمر المقترنان فيما هو بصري , لذلك نرى المقصدية الواقعة خلف هكذا اختيار تكمن في الولوج إلى منطقة الخيال \ التصور لتوليد إزاحة تقودنا - حتما - إلى ما ترمي اله الشاعرة من ثقل الغياب وما يولده من حزن شفيف مرمز على نحو يوحي بالتحقق الناقص للأشياء . لنأخذ على سبيل لا الحصر ( أوتار بكماء ) لاحظ إن \ النصيص \ يحمل تضادا كبيرا. في \ الوتر الأول \ يبدأ العزف على بنية الغياب المؤطر بالصدفة والمصور سينميا بلقطة خاطفة
مر بيدون اكتراثقالوا ...: ضربة حظأفقدته الذاكرة إن الفعل \ مر \ هو فعل حسي \ حركي \ بيد انه مشفوع بسكون نفسي شديد تمخض عنه \ عدم الاكتراث \ , هذا أللاكتراث لم يترك من دون تسبيب إذ إن فقدان الذاكرة هو العلة , وهنا حصل الافتراق الروحي بسبب من عطب الذاكرة . ونلاحظ إن الآخر \ المشارك كان يتمنى أن لا يحصل الاقتران الروحي بين الاثنين بدليل القرينة \ ضربة حظ افقدته الذاكرة \ . كما ويلاحظ ورود النصيص معرفا لا نكرا لأنه جزء من النصيص , لهذا التحم به من دون الحاجة إلى تواصل نفسي أو جسدي .في \ الوتر الثاني \ ثمة إجراء محكوم أيضا بمقصدية مسبقة ودقيقة أيضا وهي الفراغ المنقوط الذي يعمل باتجاهين : الأول ... إعطاء فسحة للمتلقي ليضع تصوراته وأصابعه على الوتر الثاني خارج إطار المألوف السمعبصري , وبهذا يكتسب \ الوتر الثاني \ مغزى استثنائيا .الثاني ...تركيز الانتباه على الزمن المفتوح وما يستتبع من تأويل على أكثر من مستوى وهذا ما يغني المنتج الدلالي للفراغ المنقوط .
وتكثر بنية الاستفهام في هذه المجموعة حتى أنها تبلغ اثنين وثلاثين علامة استفهام . وتجدر الإشارة إلى أن بنية السؤال تدور في فلك الفضاء النفسي المتأزم , إذ أن تكرير البنية الاستفهامية يدل على اللااستقرار النفسي والقلق الروحي . واللافت للنظر في هذه الأسئلة إنها تحمل اجوبتها بنحو مضمر
الدموع من لي بماء , يخمد هذا القلقأوفي حضرة القلق
لماذا تتييس ؟
الأسئلة - هنا - تتجاوز نفسها , تحمل ما يفتتها وان وقعت بين كماشتي الشك واليقين , وما يعزز ما ذهبنا إليه وجود تناوب تناظري بين الضمائر , فالضمائر ذات حركة تبادلية بين المتكلم والمخاطب , وهذا ما يؤكد إن الذات الساردة ذات قلقة , غير مطمئنة إلى ما هي عليه لهذا أكثرت من الأسئلة , لعل تلك الأسئلة تجد صدى عند الآخر , أو تهدهد الدواخل الثائرة , إنها تبحث من خلالها عن أجوبة تحيل الشك يقينا والنار ماء. ليل بلا نجوممن دسه فيحقيبتي ؟يغني المهاجرالحقيبةبيتيومكتبتيوانكساريعند البلاداستوقفكلأخرجمنحقيبتك
أجنحتي
على المستوى التأويلي تشي\ الحقائب\ بشيء كامن في ظلها ، وكرمز توحي لمحطات حياتية كامنة في ذات السارد، فهي مسكن لذات قلقلة، هاربة، غير مستقرة( حياة المهاجر) ، إما على المستوى الأخر فهي حاضنة لمؤثرات خارجية(فوطة الأم، الحصار) . على المستوى الداخلي للقصيدة ثمة انسجام في الأطروحة العامة لكن على المستوى الخارجي يبدو إن هنالك لانتظام بل هناك تعرج مقصود وقلب لصيرورة \ الحقائب .فهي هذه المرة منتج( بفتح التاء) لغيرها
المحطات:مزرعة الحقائب
هنا انتقاله في نطاق المكان، هذه الانتقال حققت فائدتين، الأولى أشرت معنى بالتقابل حاصل بين المحطات والحقائب أو الفنادق والحقائب
ارسم فندقاً
يستغيث بالحقائب
والثانية أدت معنى ذاتيا بمعنى أنها اكتفت بنفسها كونها أداة فاعلة في كل من المحطات والفنادق بدليل استغاثة الفنادق بها وان تحقق ذلك عن طرق الرسم بيد انه معلن عن طرق أنساني( الرسام) عبر الانتقال من الجزء إلى الكل أو اتكأ . كما ونلاحظ للحقائق دلالة وظيفية متخطية عملها كونها أداة لحفظ الملابس ، إذ تأخذ هنا مساراً يحرف بنية الخطاب إلى مدلول ينطوي على غير ما نعهده فيها
وسادة الجندي: حقيبتهسريره: الرصيفحين تنام الحافلاتلا تفتح حقيبتكإمام المارة سيرونفي مرآتها
إسرارهم
إن إضفاء صفة الوسادة على الحقيبة غير موجود فيها بل أملته ظروف الحرب التي تنقلب فيها الأشياء رأسا على عقب. إن التوصيفات المسبغة على الحقائب والارصفه توطد الإحساس بالخراب الذي حل بالإنسان، والوحش الذي تكتنفه ، ذلك إن من غير صفات الحقائب ولا الأرصفة إن تكون بمثل الموصوفات أنفا. وهنا يتبلور مغزى فني بواسطة قلب كينونة الأشياء من اجل ابتكار تحولات لها بمؤثر ذاتي وموضوعي .وبهذا تحقق المفردات منتوجات دلالية لم تكن لتحملها يوما من الأيام لولا ظرف الحرب الطارئ الذي قلب موازين الإنسان والأشياء.

إن هذه المجموعة الشعرية الضاجة بالأسئلة وعلامات التعجب وبنية الحذف والتداعي لتؤشر لنا كونا شفيفا يحاول تأسيس تجربة تستحضر مرارة الواقع وما يفرزه من فراق وحزن على ما تبقى بواسطة مجموعةً من المهارات النصية التي أعطتنا شعراً ناضجا على جمر الواقع.  

عن الكاتب

.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بلقيس خالد

google-site-verification: googlee09bc7865ace1b6b.html