بلقيس خالد

الموقع الرسمي للشاعرة والروائية بلقيس خالد

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

(امرأة من رمل) الإيهام نشاط منتج للشعر. / جبار النجدي


(امرأة من رمل) الإيهام نشاط منتج للشعر.
جبار النجدي
تحتمل مجموعة (امرأة من رمل) التسليم بان الإيهام هو نشاط منتج للشعر، وان ما تقدمه الشاعرة بلقيس خالد في نصوصها ما يلبث ان يشغلنا بالوهمي ويحتفظ بالفعلي في حوزته، لذا فان المعنى والدلالة لا نجدهما في الشعر نفسه بل بسواه باستمرار، اذن ان الشاعرة قادرة على تضليلنا. الى ماتريد الوصول اليه والذي يقع في مكان آخر، متسربا من معناه ودلالته الفعلية الى الوهمية، علينا اذن ان ننظر للحدث الشعري وهو يرفل بكامل أناقته المجازية، عبر نصوص بلقيس خالد التي لا يسير الشعر فيها سيرا معتادا، وهو امر يحسب للشاعرة التي بمقدورها ان تخبئ الشعر في الجزء غير الماثل في الشعر ذاته.
ان الشاعرة في نص (انتظار) مثلا تحاول إيهاما ببناء خيمة عبر بنيتين متغايرتين تتكونان من بنية حاضرة وأخرى غائبة، غير ان البنية الحاضرة لا تدلنا على اي اثر مادي لبناء خيمة، لذا فمن الواضح أنها تمثل أمنية فحسب، ولكن هذه البنية وان بدت أنها تحيلنا إلى ( اللاشيء). فأنها في ذات الوقت تنقلنا من الحالة الوهمية (انصب الرجاء خيمة) الى حالة فعلية مفتوحة النهاية (وأنا انتظر طرق الباب) وبذلك تتحول الجملة الشعرية من وضعية الإيهام المقترنة بالأمنيات إلى وضعية الحضور المتمثل بالتمظهرات المرئية للخيمة، ان هذه التمظهرات من شأنها ضمان الوقت اللازم لبقاء خيمة الأوهام:
انصب
الرجاء
خيمة
وأنا انتظر
طرق الباب.
وإذا كان الأمر كذلك، فان النص لا يفترض وجودا فعليا لعملية بناء خيمة، لكنه يبتدع وجودا فعليا لها بإحالتها إلى (الطارق) الذي سيأتي يوما، وما علينا سوى الانتظار، بل ان لعبة الانتظار توهمنا هي الأخرى بوجود خيمة، وتمنعنا من الاعتراض على عملية( طرق الباب). وتلك ميزة اشتغالية هامة في شعر (بلقيس خالد). وعلى غرار آخر يستطيع الإيهام الشعري في نص (ومضة) ان يجعل من الربيع فصلا عابرا من دون ان يكون مكانا مزدهرا، عندئذ يقودنا الى دورة كاملة من التحولات المتسارعة في حياة امرأة، تنتهي بعدة نقاط متتابعة يوحي شكلها ألطباعي بنوع من الإحالة إلى النهاية والخسران:
في الربيع
بين وردة وشذاها
صرت:
زوجة..
وأم..
و.... أرملة
........!
من جهة أخرى فان فصل الربيع لا يؤدي عملا إنتاجيا بإزاء أحداث متسارعة للغاية، انه من جهة الوقت زمن ضائع لا غير، غير ان الدلالة المكانية لفصل الربيع المتمثلة (بالوردة وشذاها) هي التي تقوم بأداء هذا الدور الإنتاجي بدلا عنه، وإذا كانت (الخيمة الكاذبة) قد هيأت موطنا لبيت وهمي فان نص (هو) بوسعه إيهامنا بان الشعر بإمكانه ان يحول الزمن إلى عالم مادي بامتياز، اذ ان الشاعرة في نص (هو) تحاول إعادة تشكيل الصفات المتداولة للزمن ولعل ايسر السبل في الكشف عن ذلك ما نلمس من إمكانية ان يتحدث الشعر عن الوقت بصورة اخرى غير صورته المعهودة، فثمة شيء مادي في النص يماثل البرزخ يشطر الوقت إلى نصفين ويحيله إلى مادة ملموسة بوسعها تحويل الافتراض الزمني إلى افتراض فعلي:
كالبرزخ: شق وقتي
ليوحدني في اثنين
انتظاره.... ولقياه.
ان عملية الإيهام التي تحدث في النص (هو) تحيل إلى لا تناهي الإيهام نفسه، طالما ان الأمر سؤول في النهاية إلى لقاء مؤجل على الدوام، انه لقاء موصل بروابط ذات صلات متبادلة بين (اللقيا والانتظار)- انتظاره ولقياه- ان عمليات الإيهام في شعر (بلقيس خالد) تتجلى بأندر صورها في حالة الإيهام الناجحة عن صورة سمعية افتراضية يحيلها وهم السامع الى شبح وبالشرط الذي يلزمه في ان يكون شبحا فعليا ولكن من دون العدول عن أوهام نص (هدير) حتى وان جرى ذلك عبر ضروب من ألوان الكلام الصامت:
القوقع البحري: يوهم نفسه
بهدير البحار
ليطرد شبح التصحر.
وعلى العكس مما اشرنا أليه من اشتغالات وهمية للشاعرة على صعيد استبدال الزمني بالفعلي، فان قصيدة (قلب) تعتني وبموجب غرار فريد باستبدال المادي بالزمني، ان القصيدة تنطلق من مقطع مكاني مليء بالحركة وبالقدر المناسب من التضليل ( تركل/ تضرب/ ترتشف/ تسترجع/ تهز جدار أضلعي/ مثل كرة الشكواس). ولو قدرنا على سبيل الفرض ان (العزاء) نوع من انواع ( الوهم) يحدث غالبا لتفادي شدة الحزن إزاء صدمة ما، فانه يقوم في قصيدة (قلب) بدور تحويل لعبة (كرة الشكواس) بكل ضرباتها الى عامل من عوامل إدامة الحياة، هذا لو سلمنا بان الحياة تماثل الزمن بوصفها مجموعة لحظات زمنية، فان الافتراض الفعلي سيؤول بالتالي الى افتراض زمني:
تركل..
تضرب..
ترتشف..
تسترجع..
تهز جدار أضلعي
مثل كرة (الشكواس)
فاعزي نفسي..
يجب ان أحيا ضرباتك.
وهكذا تتكشف وظيفة الإيهام التي تتحكم بها الضرورة الاشتغالية في شعر (بلقيس خالد)، لدرجة ان جاهزية المفترض في بعض الحالات تفوق جاهزية الفعلي. وإذا كان ثمة دور آخر إضافي في اشتغالات الشاعرة الإيهامية، فانه يماثل الدور الذي يداني بالشبه وظيفة المادة المطاطية في امتصاص التوتر، وليس أدل على ذلك ما تشف عنه حزمة المشاعر في نص (وحشة) التي لم يتسن لها العيش في جو من الطمأنينة ليصار إلى كسر الشعور بالوحشة وما يرافقها من انوثة معطلة بوسائل الايهام المتولدة عن الأداء الصوتي لشجى بعينه، وفي هذه الحالة تصبح (امرأة من رمل) بارعة في التعبير عن أنوثتها:
لا ضوء...
يجمع سرب فراشاتي..
هي ظلمة خانقة
وثمة جندب يعزف لانثاه
فيشجيني..
...........
إذن ليس هناك ثمة مناص من اعتبار عمليات الإيهام جزء من هبات الشعر غير المصرح بها في المجموعة، ان الشاعرة بلقيس خالد وهي تقدم مستخرجاتها الإيهامية تواصل البوح بان الايهام يبعد عن الشعر ويتضامن معه في آن، وبالتالي لا يمكن عزل شيئين متوازيين بوسعهما ان يجعلا قفل القصيدة يدور ويدور ولا يحكم إغلاق نفسه على الدوام.

عن الكاتب

.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بلقيس خالد

google-site-verification: googlee09bc7865ace1b6b.html